عند إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 كانت الكارثةالكبرى، والتي ما زلنا نجني ثمارها حتى الساعة.
لا نريد أن ندخل في التفاصيل والأسباب التي كانت سائدةً آنذاك، وكيف تمّ تركيب هذا الوطن، وعلى هذا النهج، بعد الحرب العالمية الأولى وتداعياتها وتقسيم المنطقة بين النفوذَين الفرنسي والإنكليزي.
المهم هو أن النتيجة كانت هذه الولادة لوطنٍ مقسّمٍ وموزعٍ على الطوائف والمذاهب، وهذا ما يثير الغرائز ويشدّ الهمم في مجتمعات متخلّفة ومتقوقعة مذهبياً ومناطقياً. وطبيعيٌ أن نصل إلى هذه النتائج وهذه المعاناة، لأنّ هذا المعيار لا يولّد إلّا التعصّب والقهر في دولةٍ يحكمها بُعدٌ مذهبيٌ.
من هنا ما زال انتماؤنا للطائفة والمذهب قبل انتمائنا إلى الوطن، وأصبح المذهب الملاذَ والملجأ قبل الدولة والوطن. وهذا ما استدعى لاحقاً بروز وظهور الأحزاب اليسارية والعلمانية والوطنية تباعاً، ومنها ذو البعد المحلي والإقليمي والدولي، وأصبحت هذه الأحزاب حاجةً لمجتمعاتٍ يعتريها الفقر، والتخلّف، والتقوقع، والتعصّب القبلي. وقد خلقت هذه الأحزاب الشعور الإنساني والوطني، ونقلت هذه المجتمعات من الانغلاق إلى انفتاحٍ على المستويَين الداخلي والخارجي. وهذا هو في الأساس دور الأحزاب التي تكلّم عنها بإسهاب المعلّم كمال جنبلاط، وحدّد مفهومها بشكلٍ واضح في كثيرٍ من المقالات والكتب.
هناك الكثير من الكلام والأسباب حول تلك الحقبة من الحروب الداخلية والإسرائيلية إلى اتفاق الطائف، إلى الانهيار الكبير اليوم. وقد برزت الأحزاب المذهبية من جديد، وبقوة، إلى حد طرح تغيير الدستور من أجل المحاصصة المذهبية، وازدادت المشاكل، وتوقفت عجلة الوطن وأصبحنا عند كل استحقاق تعلو أصوات المطالبة بالحصص المذهبية والطائفية. وهنا المفارقة وبيت القصيد: يتقاتلون على الحصص والمقاعد ويعطّلون كل شيء تحت شعار حقوق الطائفة من أجل الحصول على المكتسبات الخاصة الآنية، ويعلو الصراخ، وتُشدّ الهمم، وتكثر الاجتماعات واللقاءات من أجل حقوق الطائفة، وهي في الأساس فُتات لا قيمة لها.
ومن هنا نقول للبعض إنّ الحقوق ليست في مقعدٍ نيابيٍ أو وزاريٍ، أو تعييناً من هنا أو هناك، إنمّا حقوق الطائفة تكون في الحفاظ على وحدتها، والدفاع عنها اقتصادياً، واجتماعياً، وحياتياً، وخدمة أبنائها في الحصول على الوظائف والخدمات، ومساعدتهم في المدارس والجامعات، وفي الطبابة والاستشفاء، وفي حلّ مشاكلهم.
وحقوق الطائفة تكون في تأمين الحياة الكريمة، والأمن والاستقرار الاجتماعي والنفسي. حقوق الطائفة لا تكون غبّ الطلب، وخدمة لتعزيز موقعٍ سياسيٍ آنيٍ، وخدمةً لأغراضٍ سياسية مشبوهة. حقوق الطائفة هي في تقديم الأفضل والأحسن. هكذا تكون المنافسة الشريفة لحقوق ناسٍ بحاجةٍ إلى الاستقرار الاجتماعي، لا استغلالهم لمواقف معروفة الأهداف والغايات. (يجري) هذا في ظل النظام الطائفي والمذهبي، وهذا أصبح شغل وعمل المسؤولين واهتمامهم الفعلي، لأن الدولة غير موجودة لخدمة أبنائها، ولكي يبقى الوطن مجموعة طوائف ومذاهب تستغلّها لمآرب شخصية عند كل استحقاق.
لذلك فإنّ الحل الأنجع هو الدولة المدنيّة، وإلغاء الطائفية السياسية، ونظامٌ علماني يتساوى فيه كل المواطنين في الحقوق والواجبات، ويشعر كل مواطن أن الوطن هو الملاذ، وأن الطائفة والمذهب هما انتماءٌ وإيمانٌ خاص لا شأن لهما في بناء، وتقدّم، وتطوّر الأنظمة والدول. حقوق الطائفة هي الاندماج الكلّي في الوطن والمواطنة.