Advertise here

بعد تراجع بوتفليقة... الجزائر أمام تحديات جديدة "الشارع يواجه النظام"

15 آذار 2019 15:37:34

لم تنه قرارات الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الأزمة الجزائرية المتراكمة منذ عقود، ولم تشفع صفحات مسيرته البيضاء في نقل الجزائر من أيام الجمر الى السلام والمصالحة، فالرئيس والنظام الجزائري هما رهن سلطة الجيش والأمن العسكري وما حولهما من منظومة مصالح وفساد، كبلت الجزائريين وأرهبتهم ووضعتهم على حافة الفقر، على الرغم من الخيرات المعدنية والنفطية والزراعية المترامية في محافظات وولايات بلد المليون شهيد.

لم ينجح الرئيس بوتفليقة امتصاص غضب الشباب والمتظاهرين الرافضين "العهدة الخامسة"، رغم إعلانه الانسحاب من معركة الرئاسة، فبيان الرئيس بعد عوته من المشفى السويسري، جاء ملغوماً بعروض قبل بها الجزائريين مرغمين في عهده، فلن يقبلوا بتمديد مسارها من بعده، فانتفاضة الجزائر السلمية تريد التغيير الحقيقي الديمقراطي، وتريد نظام يحتضن الكفاءات الشابة، وينقل النظام الجزائري الى ركاب الدول النامية الصاعدة، دولة المؤسسات والشفافية والعدالة، التي تليق بهذا الشعب المناضل المثقف.

فاستبدال بوتفليقة رئيس حكومته المستقيل أحمد او يحيى، بوزير داخليته نور الدين بدوي، لم يتلقفها المتظاهرين بإيجابية، كما أن الإعلان عن تشكيل الندوة الوطنية  لتعديل الدستور والانتقال السياسي من شخصيات مقربة من النظام لم يكن بالخيار المطمئن، إذ يعتبر العديد من قادة المعارضة أن خطة بوتفليقة هي محاولة التفاف مكشوفة على الحراك المدني الجزائري، سيما وانها ارتبطت بتأجيل الانتخابات الرئاسية الى فترة غير محددة، في محاولة جديدة لتعويم النظام وأحزابه، وضمان استمرارية منظومة المصالح القابضة على الحكم.

وفي الوقت الذي استبدلت قوى المعارضة شعاراتها من "لا للعهدة الخامسة" بشعار "لا لتمديد العهدة الرابعة"

دعا رئيس الوزراء الجديد نور الدين البدوي المعارضة، المشاركة في الحوار، وأعلن أنه سيشكل حكومة شاملة تضم كفاءات ستشمل الشبان والشابات الذين يخرجون في مظاهرات حاشدة للضغط من أجل تحولات سياسية سريعة، تتولى المسؤولية خلال "مرحلة قصيرة" وستدعم أعمال ندوة وطنية من أجل انتقال سياسي. وأن لجنة مستقلة ستشرف على الانتخابات الرئاسية،

دعوة رئيس الحكومة الجديد كما قرارات بوتفليقة لم تخفف من نبض الشارع الجزائري الذي فقد ثقته، بالسلطة ورموزها وأحزابها، ويطالب بالتغيير الديمقراطي، حيث من المتوقع ان تعم الجزائر اليوم قد تكون الأكبر منذ انطلاق التظاهرات الاحتجاجية، حيث تكثفت الدعوات  لـ"جمعة رابعة" على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال هاشتاك "حركة 15 مارس"، والذي انتشر بسرعة خلال الأيام الثلاثة السابقة، ولأول مرة منذ "الهبة" الجزائرية أعلن قضاة "مجلس المحاسبة" (هيئة رقابية على المال العام تابعة للرئاسة)، التحاقهم بالحراك الشعبي، وخرجوا إلى الساحات في محافظات عدة، وأمام المجلس الدستوري معلنين رفضهم لبقاء الرئيس في الحكم، كما احتجّ عشرات المحامين والقضاة اعتبروا أن تأجيل الانتخابات "غير قانوني".

مصادر من المعارضة الجزائرية توقعت في اتصال هاتفي مع "الانباء"،  "أن تشكل تظاهرات يوم الجمعة الأكبر في تاريخ الجزائر، والتي سيبنى عليها ما بعدها، معتبرة ان الجزائريين ملوا من النظام ومناوراته ووعوده، وأن اختيار الرئيس بدوي للحكومة، الذي لا يثق به الشعب، هو صفعة جديدة في حكم بوتفليقة، ورأت ان تظاهرات اليوم سكون مناسبة يرد فيها الجزائريون بشكل مباشر على القرارات التي اتخذتها النظام، وتحمل إعلانا صريحا بأن المفاوضات تتم بشكل مباشر بين الشارع والسلطة"

واعتبرت أن النظام الآن في مأزق بعد أن "ألغى الانتخابات، ورفض الشارع للقرارات الأخيرة لا يترك أمامها إلا خيارات محدودة جدا، أسلمها هو خروج بوتفليقة والوجوه المحيطة به والمتحدثة باسمه".

وقالت أن "ما يقترحه النظام هو ندوة وطنية بخريطة طريق وضعها وحددها، وبالتالي لن تكون مستقلة، والمشاركون فيها سيسمح لهم بالحوار وإبداء الرأي فقط. لكنهم لن يقرروا أي شيء، وبهذا سيوجهون طعنة في الظهر للمطالب الشعبية".
وكشفت أن "المعارضة منقسمة بين مؤيد لتأجيل الانتخابات، ومعارض لها، وإن المعارضة لم تتمكن من الاتفاق على رؤية واحدة للجزائر الجديدة، وأن الوعي الشعبي يسبق المعارضة وهذا هو الرهان الحقيقي على التغيير".

واستبعدت المصادر وجود أي دور ممكن في المرحلة الانتقالية لشخصيات جزائرية معروفة كالأخضر الابراهيمي أو غيره، قائلة "هذه الشخصيات لم تعد تحظى بثقة الجزائريين، ومن لم يقبل به الشعب الجزائري لن يكون في السلطة بعد اليوم".

المصادر اكدت استمرار الحراك الشعبي المدني واتساع دائرة المؤيدين له لا سيما أوساط الشباب المعروفين تقليديا بقربهم من أحزاب السلطة، وعن الأحزاب الإسلامية وتأثيرها في الحراك المدني، رأت المصادر ان الإسلاميين منقسمين في ما بينهم ورموزهم السابق لم تعد تحظى بثقة الجزائريين، ورموزهم الجديدة هم ضمن الحراك ويمثلون الاعتدال لكنهم لا يشكلون الثقل الكبير في الحراك المدني.

وأوضحت المصادر ان الحراك الجزائري له نكهة خاصة، بحيث انه منتظم في قطاعات نقابية وعمالية وتعليمية ومهندسين ومحامين وقضاة، والمشاركة الشعبية فيها من الشباب والكهول وهم يرسمون اليوم مستقبل الجزائر الجديدة كما رسمها بالدم من سبقهم في حرب التحرير الوطنية.

من جهة أخرى وبالتوازي مع الحراك الشعبي، ينشغل الوسط الثقافي الجزائري، بنقاش قانوني، حول دستورية القرارات التي اطلقها بوتفليقة لناحية تأجيل الانتخابات، وتشكيل الندوة الحوارية لتعديل الدستور دون استشارة البرلمان الجزائري، كما بدأ الحديث عن الصفة التي سيحملها بوتفليقة بعد انتهاء ولايته في 28 نيسان المقبل، حيث ستدخل البلاد في مرحلة شغور لمنصب الرئيس من وجهة نظر الدستور، بينما مدد بوتفليقة حكمه بقرار منه، وأجل انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في 18 من أبريل المقبل.