بثقة، تقدّم العمّ حسين حجيج لتلقّي اللقاح، داخل قسم التلقيح في مستشفى نبيه بري الجامعي، إبن الـ85 عاماً قرر أخذ الطُعم لأنه يريد استعادة حياته. الرجل المفعم بالحياة، ملّ وكلّ من "كورونا" ومضاعفاته الخطيرة، أخذ قراره قبل شهر، في وقت ما زال الجميع يشكّك بفعالية اللّقاح، وقدرته على الحدّ من تفشّي الوباء. بالامس حصل على الموافقة ليكون أول المتلقّين للقاح "فايزر" من خارج الجهاز الطبي والتمريضي. وِفق قوله "بدّي عيش بدون خوف، بدّي زور جيراني"، وبحسب تعبيره "كورونا" سرق منّا كلّ النشاط".
يعتقد العمّ حسين أنه تجاوز الخطر وبات محصّناً من "كورونا"، ولا يعاني الرجل الثمانيني من أيّ أمراض مزمنة، ما زال يمارس حياته كالمعتاد، يزرع ويحرث ويرتاد الارض، لأنّ الدولة، كما أشار "لم تقدّم لنا جرعة دعم لنتقاعد، بل تتركنا نموت ونحن نعمل". غير أنه جاء بملء إرادته ليقدّم لنفسه هذه المرة جرعة دعم صحّية، ليواجه "كورونا"، ويعود لأرضه مجدّداً، خلافاً لاولاده الذين يرفضون تلقّي اللقاح، فهم يخافون مضاعفاته الجانبية، وإن أعادوا السبب "الاولوية لكبار السنّ".
لليوم الثاني على التوالي تتواصل عملية اللقاح، الغلبة للكادر الطبي والتمريضي، إذ لم يسجّل سوى 3 اشخاص من المدنيين حتى الساعة. ويعتمد مركز اللقاح في المستشفى على الاسماء التي ترده من المنصّة، ليصار بعدها لتحديد المواعيد، ويتولّى الفريق التمريضي مهمّة التلقيح التي تصبّ في خانة حصانة المجتمع.
وعلى عكس باقي المراكز التي شهدت خللاً تقنياً بسبب ضعف الانترنت، فإنّ المركز لم يسجّل أي عطل تقني. ووِفق المسؤولة ميساء كلاس فإنّه "تمّ تجهيز القسم بكافة التقنيات للحؤول دون أي عطل طارئ"، مؤكّدة أنّ اللقاحات تتمّ وِفق الأسماء الواردة، غير أنّها تشير الى تخلّف بعض الاشخاص عن الحضور، ما استدعى منهم الاتصال بأشخاص وادراج اسمائهم في جدول اليوم التالي للحضور، "لأنّنا لا نريد خسارة أيّ جرعة نحن بأمس الحاجة لها". عملياً، دخلنا زمن اللقاح، فعلياً، العين على ما بعده، هل سيتشجّع الناس لأخذه، أم سيكون علينا مواجهة الموت المحتم بسبب "كورونا"؟ المؤكّد أنّ المواجهة تحتدم، ومن يملك مناعة أقوى ينتصر. يبدو أنّ أول المتقدّمين لاخذ اللقاح هم كبار السنّ، ممّن ضاقوا ذرعاً من الخوف والقلق، ويريدون تحصين أجسادهم من الخبيث "كورونا"، على عكس جيل الشباب الذي ينتظر ردّات الفعل الأوّلية على الجرعة الاولى من الطعم، ويسعى الى مزيد من الطمأنينة ليسجّل على المنصة، التي ما زالت أعدادها خجولة مقارنة مع أعداد الإصابات اليومية التي تفتك بالاطفال هذه الايام، تحديداً دون السنة، مع عوارض قاسية، قد لا يتحمّلها جسده الصغير، ومع ذلك لا حماسة شعبية على اللقاح، في الوقت الذي أحوج ما نكون فيه الى المناعة المجتمعية، للعودة التدريجية الى قلب الحياة. وهذا ما ركّز عليه هادي الشاب العشريني الذي تلقّى اللقاح من دون قلق، قرّر خوض غمار التجربة، فالطعم لن يكون خطراً كما "كورونا"، ومضاعفاته لن تكون بحجم مضاعفات الفيروس الذي يفتك هذه الايام بالمصابين، سيّما السعلة التي تصيب الرئتين بإلتهابات حادّة. يحاول هادي أن يكون نموذجاً يحتذي به كل رفاقه، فالمعركة محتدمة برأيه، وكلّ سلاح يحسّن شروط الحرب الدائرة، بين "كورونا" والمواطن.
داخل قسم اللقاح حركة خجولة نسبياً، جلّهم من الطاقم الطبّي. يدخل أحد كبار السنّ، يريد تلقّي اللقاح، لم يسجّل على المنصة، ومع ذلك يريد اخذه، وهو امر يتعارض مع قانون العمل. يحاول احد الاطباء مساعدته، من دون جدوى، فالأخير خسر شقيقه قبل أسبوع، ولا يريد ان يخسر حياته، يريد ان يكتسب مناعة سريعة، بحسب قوله، ابنه في اميركا "نجا من الموت بـ"كورونا لأنّه تلقّى اللقاح، ولولاه، كنت خسرته".
تؤكّد كلاس أنّ جزءاً من المشاكل التي تواجههم هو عدم تسجيل المواطن اسمه، لافتة الى أنّ أعداد الاتصالات التي ترد كبيرة، وهو مؤشر ايجابي بدأ يطرأ، والمواطن بدأ يعيد النظر برأيه، ويسعى لتلقّي اللقاح.