Advertise here

الفيدرالية العونية وترِكة الجنرال

16 شباط 2021 17:07:00 - آخر تحديث: 16 شباط 2021 17:12:56

حتى الأمس القريب كانت الحالة العونية تشكل هاجساً لدى خصوم الجنرال ميشال عون بفعل تمدده مسيحياً ووطنياً، وكاد أن ينجح بإيهام كثيرين أنه سيطيح بالزعامات لمختلف الأحزاب والجماعات السياسية بعد أن رفع لواء طلاب الثورة والتحرير، مواجهاً باسمهم قوى الإحتلال السوري السياسي والعسكري. كان ذلك في أيامٍ تمايلت على ألحان معزوفة "شعب لبنان العظيم" الوطنية العابرة للمناطق والطوائف ولَكَمْ اقشعرت في حضرتها الأبدان. ولكن ماذا حلَّ بالشعب؟ وأين أصبح لبنان العظيم؟

على وقع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانقلاب المشهد السياسي وتبدُّل ميزان القوى اللبناني، عاد الجنرال ميشال عون الذي كان أحد أهم طباخي القرار 1559 وأبرز الساعين لإخراج الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح حزب الله، خاض الإنتخابات النيابية عام 2005 مكتسحاً الشارع المسيحي بحدود 70% تمثيلياً، رافعاً شعار استعادة حقوق المسيحيين "التي ابتُلعت" زمن الوصاية السورية على حد قوله. كان إطلاق شعار استعادة هذه الحقوق أولى خطوات الخروج من عباءة الوطنية، وعلى منوال الحقوق المهدورة خاض معارك سياسية نيابية ووزارية حتى الوصول إلى كرسي الموارنة الأول، وذلك تحت شعار "قويّ الطائفة المارونية"، وحتى تلك اللحظة كان العونيون يحتفلون "بالنصر العوني الكبير"، إذ إنه أُخرج في 13 تشرين مكرهاً ثم عاد في 31 تشرين مكرماً، وبين هذين التاريخين سُجل منعطفان جذريان في مسيرة النضال، إذ عاد إلى الحضن السوري ودخل بعبدا من بوابة حزب الله وطُويَ ملف 1559 في إحدى خزائن المواقف المنسية.

أما الخطوة الثالثة في الخروج من عباءة الوطنية، فتجلّت داخل البيت العوني الواحد، إذ انطلقت معركة تأمين البديل السياسي باكراً، فوقع الخيار دون أدنى شك على مَن عُطل تشكيل حكومات وجُمِّد إنجاز استحقاقات كرمى لعيونه، جبران باسيل الذي أطلق حملته في الأيام الأولى من حكم عمه، بدءاً بإزاحة القوى العونية التاريخية النضالية، على اعتبار أن المشروع السياسي الذي قامت عليه العونية السياسية الوطنية لا تنسجم والطموحات الشخصية والتطلعات السلطوية الإختزالية بشخصه الباسيلي الكريم.

أما الخطوة الرابعة من خلع العباءة العونية الوطنية، فكانت ابتكار مصطلح تنظيمي سياسي جديد تمثل بالحالة الباسيلية، عِوضَ العونية الجامعة للمناضلين المقيمين والمغتربين وعلى اختلاف أحجامهم وأدوارهم كافة؛ فالباسيليون تمثلوا بمجموعة المنتفعين والطارئين على الحالة العونية السياسية والوافدين على أجنحة المنافع والمطامع إلى التيار الوطني الحر الذي أُخرج من رحابه وبمباركة كبير المناضلين جميع أولئك الثوار المرابطين خلف أكياس رمل المواجهات وبذل الدماء في سبيل وطن لبنان العظيم.

بدأ خروج قيادات التيار، ربما أبرزهم كان اللواء عصام أبو جمرا، ولم ينتهِ الأمر عند مسؤول دائرة في حارة عونية ما، فقد طبع جبران باسيل العهد القوي بهيمنة جيشه الباسيلي على مختلف المراكز المسيحية، إذ جعل من شعار حقوق المسيحيين أمراً تنفيذياً لمكاسب العونيين، وتالياً الباسيليين، منقلباً على التفاهمات والتحالفات والتسويات كافة كان آخرها تفاهم مار مخايل الذي يعد فريقه ورقة مراجعة تصحيحية لاتفاقه مع حزب الله.

وتوالت حركة الإحتجاجات العونية الداخلية خاصة عشية ثورة 17 تشرين، والتي سبقها خروج شامل روكز من تكتل باسيل القوي، وفي إحدى ليالي الثورة وُضعت المستشارة الرئاسية ميراي عون خارج دائرة القرار في القصر الذي كان أُوكل إليها مهمة الإستماع والنظر وترك الشؤون السياسية لصهرها القوي بطلب من الوالد.

واستمر جبران باسيل بقصقصة الأجنحة العونية التاريخية مفصلاً هيئة عامة ناخبة ومقررة تعيده على رأس التيار نهاية كل مؤتمر استعراضي يبايع الرئيس المقدس.

ومع تعالي الصراخ العوني والإستقالات الجماعية ومحاولات بيّ الكل إصلاح ذات البَين في قصر الشعب، مع ما يترافق من حركات عونية تصحيحية، يستمر التمايز السياسي بين قيادات التيار الوطني الحر تحت سقف الرئيس القوي، يتمثل هذا التمايز بخطاب آلان عون المنتقد لأداء جبران باسيل، والبطريرك الراعي يستطلع إبراهيم كنعان في حقيقة التعطيل الحكومي على اعتباره معارضاً للنهج الباسيلي السائد، أما دعوة الياس أبي صعب لسفيرة العقوبات الأميركية لا يمكن صرفها إلا في سوق التحدي والنكاية والحرتقة العونية الداخلية.

ولا تنتهي خطوات الخروج من العباءة العونية الوطنية عند حرب البيانات والبيانات المضادة وجبهات القصف الإلكتروني بين جيوش القادة المتصارعة داخل التيار الوطني الحر.

ويبقى السؤال يدور حول نفسه عن مستقبل الحالة العونية، هل ستنتهي عند عتبة قصر بعبدا مع نهاية العهد القوي؟ أي ترِكةٍ سياسية يورثها الجنرال المناضل لأحرار التيار الوطني؟

لا شكَّ في أن التيار الوطني الحر ستضربه فيدرالية الزعامات المنتفضة، وسيتحول إلى مجموعة أحزاب وتكتلات سياسية وربما هناك مَن سيحاول إعادة ارتداء العباءة المسيحية وذلك على أبعد تقدير، إذ إن المشروع الوطني الكبير اندثر عند أقدام الطموحات الرئاسية المبكرة، ولربما ستسعى مجموعة عونية معتدلة من قيادة مشروع محدَّث علّه يحفظ ماء وجه تاريخ الحالة العونية في المستقبل السياسي اللبناني، وإن لم تنصرف مرغمةً إلى صفوف المعارضة البرلمانية السياسية في زمن عهد رئاسي جديد قد لا يرغب بالثأر من ماضٍ قريب جداً، سيتمكن وبخجل أو تواضع من المشاركة أو الحضور السياسي في إحدى زوايا الحكم المستقبلي.

فيَا أيها الشعب العظيم حول أي لبنان سنجتمع؟

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".