حدّد الرئيس جو بايدن في أول خطاب له عناوين سياسته الخارجية، لا سيّما في منطقة الشرق الأوسط، رافعاً شعار الحل الدبلوماسي وخفض التصعيد، كما أعلن تجميد الدعم العسكري لقوات التحالف العربي في حربها ضد الحوثيين في اليمن، ورفع اسم جماعة أنصار الله عن لائحة الإرهاب لأسباب إنسانية كما قال، وعيّن الدبلوماسي تيموثي ليندركينغ مندوباً خاصاً له في صنعاء.
بايدن الذي ألغى بمواقفه هذه قرارات سلفه ترامب، وجّه رسالة سلبية للمملكة العربية السعودية والتحالف العربي بإعلان وقف دعمهما العسكري رغم تأكيده التزام بلاده حماية أمن المملكة، والاحتفاظ بالعلاقات العميقة معها، لا سيّما المرتبطة بتعاون الجيشين السعودي والأميركي.
وفي موقف ملتزم بالمبادرة الأميركية، صوّت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار يدعو لانسحاب جميع القوات الأجنبية من اليمن، وتسهيل الحوار السياسي بين أطراف النزاع. ويؤكّد القرار على الحل السلمي للأزمة اليمنية عبر مفاوضات بين جميع مكوّنات الشعب، كما دان القرار أعمال العنف في البلاد التي تسبّبت منذ العام 2015 بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وعلى الرغم من تلقّف الرياض لمبادرة بايدن بصدرٍ رحب فإنّها، ووفق ما قاله مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، "لا زلنا نتعامل مع ميليشيا الحوثي على أنّها منظمة إرهابية، ونتصدى لتهديداتها بالعمل العسكري". وأشار إلى أن الرئيس الأميركي اتخذ خطوة رفع اسم جماعة الحوثيين بهدف تجنّب تفاقم الوضع الإنساني في اليمن، على الرغم من طرح اقتراحات بديلة تسهّل تقديم المساعدات الإنسانية لليمنيين.
وفيما اعتبر الناطق باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، في تغريدة له على تويتر، "أن المواقف الداعية لوقف الحرب، ورفع الحصار بشكلٍ كامل، وحظر بيع الأسلحة لما وصفها بدول العدوان، وإنهاء الوجود الأجنبي في اليمن، هي جميعها مواقف إيجابية وداعمة للحل السياسي في البلاد"، فإن جماعة الحوثي ومنذ استلام بايدن مهامه الرئاسية صعّدت من هجماتها الصاروخية وطائراتها المسيّرة على مطار أبها جنوب غربِِ المملكة، وعلى محافظة خميس مشيط الحدودية، وعلى محافظة مأرب (شمال شرق اليمن)، سعياً منها لتحقيق انتصارات جديدة تضغط بها في أية مفاوضات قادمة.
المناخ الذي أطلقه الرئيس بايدن جعل من مندوب الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، يقفز قفزةً دبلوماسيةً محسوبة على الأمم المتحدة بدقة، لكنها مستمدة من الروح الأميركية لفريق الرئيس الجديد. فأن يذهب غريفيث في زيارة رسمية إلى طهران ويجري حواراً مع قادتها حول الحرب في اليمن، هو بمثابة اعتراف أممي عالي المستوى للدور والحضور الإيرانيَين في حرب اليمن، وبالتالي الاعتراف بالتعامل مع السياسات الإيرانية في هذه الحرب. لذلك فإن التظهير الأممي للسياسة الأميركية بتلك الطريقة هو أكثر حساسية وأكثر أذيةً للتحالف العربي، وأكثر أذيةً للمملكة العربية السعودية. كان يكتفي مندوب الأمم المتحدة في السابق بلقاء مندوبين إيرانيين في سلطنة عُمان في لقاءات سرية غير رسمية، لكنّه عندما يقفز مثل هذه النقلة الدبلوماسية، فإنه يضع إيران على الطاولة في اليمن على قدم المساواة سياسياً مع العربية السعودية، ومع التحالف العربي، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية تريد تعظيم الضغوط على الرياض من أجل إعادة صوغ سقف موقفها من الحرب في اليمن بعيداً عن الشرعية اليمنية ومقررات ومخرجات المؤتمرات التي اكتسبت شرعية دولية ولم تكن في صالح الحوثيين.
المؤشرات في هذا الأمر، تشير إلى أنّ الرياض سوف تكون أمام موجة ضغوط سياسية ودبلوماسية، متلازمة، والضغط العسكري الذي بدأ بتوقيف شحنة الأسلحة التي كان قد وافق عليها الرئيس ترامب، في الوقت الذي تلقى فيه الحوثيون هدية مجانية برفع اسمهم عن لائحة الإرهاب، وتلقت طهران هدية مماثلة أكثر رمزية عبر زيارة المبعوث الدولي إلى طهران، وإشراكها في حل الأزمة اليمنية على قاعدة جمع الأطراف المتخاصمة، والبحث عبر المفاوضات عن تسوية تنهي الحرب والمعاناة دون تحديد مرجعية تلك المفاوضات.
من جهة أخرى يستفيد الحوثيون من الصراعات الداخلية في اليمن بين جناح حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) الممسك بالدولة وبالحكومة، وبين المجلس الانتقالي – الجناح الجنوبي، الذي ما زال يريد الحفاظ على قوّته ونفوذه ويكافح على الجبهتين في مواجهة الحوثيين، وفي مواجهة الإخوان، في الوقت الذي تتراجع فيه قدرة داعميه في الإمارات العربية بعد انسحابهم عسكرياً من التحالف العربي، مقابل الدعم القطري للإخوان. لذلك فإنّ التصعيد العسكري الحوثي على محافظة مأرب هي محاولة استباقية لتعظيم دوره في الجغرافيا اليمنية، وعلى مسرح الشرق الأوسط باعتباره أحد الاذرع الإيرانية الفاعلة، القادرة على إطلاق الصواريخ البالستيه والطائرات المسيّرة المفخخة على السعودية، وفي البحر الأحمر لمساعدة البحرية الإيرانية.
أمسكت طهران بالهدايا الأميركية التي وصلتها، كما استطاعت تعزيز منطق التصعيد المستمر على الجبهة اليمنية، ويبدو أنّها أمام مرحلة استثمار سياسي في تلك الجبهة بمعزل عن الضجيج المتصاعد حول ملفها النووي، بالتوازي مع ما رشح من معلومات عن مساعدة مالية بقيمة 5 مليار دولار سوف تقدّم لإيران من خلال البنك الدولي، وبموافقة أميركية، لمعالجة القضايا الصحية والإنسانية ومواجهة جائحة كورونا، في الوقت الذي تتكامل فيه المقاربتان الأوروبية والأميركية وتتقاطع فيما بينها على قاعدة هضم الوجود الإيراني في المنطقة العربية عبر أذرعها العسكرية واعتبارها قابلة للتسويات ضمن كل دولة على حدة، بمعزل عن ما يسبّبه هذا الوجود من خطر على الأمن القومي العربي العام، والأمن القومي لكل بلد عربي.
مصادر دبلوماسية عربية متابِعة للملف اليمني رأت، "أننا أمام محاولة لخفض التصعيد لم ترقَ إلى مرحلة البحث في التسوية"، وكشفت أن "التعاطي الأميركي مع الملف اليمني مربك، ومستنزف للقوة العربية، وهذا ما يعزّز دور إيران ويطلق يدها أكثر فأكثر في العراق وسوريا ولبنان". وأوضحت أن مؤشر الملف اليمني حساس ودقيق حيث تتقاطع وتتشارك فيه مصالح الخصوم والحلفاء، بين أميركا وأوروبا وإيران على حساب المصلحة العربية.
فعندما تلتقي المقاربة الأميركية مع المقاربة الأوروبية، فإننا أمام مرحلة جديدة مختلفة عن مرحلة ترامب، وتذهب باتجاه تليين الموقف الإيراني واحتوائه مقابل الضغط المعاكس على الموقف العربي، وبالتالي من الضروري إعادة صياغة الموقف الرسمي العربي المشترك، وإعادة صياغة الموقف في كل بلد على حدة، ورسم سياسة جديدة قادرة على التعاطي مع إدارة بايدن ومواجهتها إذا اقتضى الأمر.