Advertise here

المساواة بين المرأة والرّجل

13 شباط 2021 15:50:00 - آخر تحديث: 14 شباط 2021 01:47:03

قد يطالبْنَ بالمساواة بين الرّجل والمرأة. فهل نرى مساواة بين الرّجل والرّجل؟ بين المرأة والمرأة؟ بين الطّفل ونظيره الطّفل؟ ما طبيعة الخَلق؟ هل كلّها متساوية؟ هل الوظائف والأشغال تتماشى والقدرات نفسَها، وتتلاءم والطّاقات ذاتَها؟

لماذا جعل الله كيان المرأة البيولوجيّ  قائماً على الإنجاب، والولادة، والرّضاعة؟ وكيان الرّجل الجسديّ أكثر صلابة وقوّة؟
لماذا زرع الله في المرأة الرّقّة، والأنوثة، والهدوء، والجَلَد، والصّبر؟ ولماذا منح كيان الرّجل قوّة المقاتل، وصلابة المحارب، والقيام بأعمال خشنة قاسية؟ هل هذا  الأمر متوافرٌ في الطّبيعة البشريّة، أم نحن نتكهّن ذلك، فندرّب الصّبيّ  ليقوى ساعدَه، وندرّب المرأة لتهتمّ بجمالها وأنوثتها؟ أهذه كلّها معتقدات وتقاليد اجتماعيّة موروثة راسخة في أذهان الرّأي العام؟!

يا أعزّائي المساواة مطلبٌ وهميٌّ. فقد نرى في الأسرة الواحدة التفاوت في المعاملة بين الأخ وأخته، وبين الأخ وأخيه، وبين الأخت وأختها. كما نرى اختلافاً في المعاملة بين النّاس في القرية عنه في المدينة، وبين نمطيّة العيش في المجتمع الشّرقي عنه في المجتمع الغربي، وبين المجتمع الشّرقي نفسِه، المختلف بألوانه، وأديانه، ومذاهبه، وتشريعاته، ومعتقداته. 

أنطالب بالمساواة بين المرأة والرّجل؟! فهذا الرّجل الشّرقي المقهور، المأمور، والمسلوبة أمواله في المصارف، المهدورة قدراته في تأمين سبل معيشته الكريمة، يُعامَل بفوقيّة، وانصياعٍ، وارتهانٍ، لأنّه الحلقة الأضعف في ميدان عمله. فتراه يطبّق هذا الانقياد والانصياع على أفراد أسرته، ويستقوي على أهل بيته، لا سيّما زوجه كونها الحلقة الأضعف لديه.  
ذلك الرّجل العربي المقموع بأنظمةٍ  ديكتاتوريّة، تُفرَض عليه الضّرائب وتسلب حرّيّته في الرّأي والتعبير والتغيير والمعتقد، كيف له أن يكون حراً، ومتفهّماً، ومنفتحاً، والقيود والتحدّيات تكبّل عنقه وتأسر حياته؟ فيأتي ويوثّقها على زوجته وأولاده ليشعر بأنّه رجلٌ فيه كلّ مقوّمات الرّجولة والعنفوان. وبما أنّ جحا لا يقدر إلّا على خالته - كما يقال عند العامّة - كردّة فعل طبيعيّة ترى الرجل يتصرّف بسلبيّةٍ، وعنفٍ، وضربٍ، وإهانةٍ، وتسلّطٍ، وتحجيمٍ، وتحقيرٍ، وتنمّرٍ على أفراد أسرته.

المساواة يا أعزّائي وهميّةٌ ومنافيةٌ لمبدأ الخَلق والوجود وتوزيع الأعمال، وتنوّع المواهب واختلاف القدرات، وأنواع الذّكاء والشّخصيّات. فلو طبّقنا المساواة بحسب ما نعتقد لاختلّ نظامنا الكونيّ ولتوحّدت أقدارُنا ومصائرنا وظروفنا. 

ما يُعطى للأخ قد يُحرَم منه الأخ الآخر.
ما يُمنح للوزير قد يُمنع عنه الفقير. "ما تلذّذ به غنيّ هو ما حُرِم منه فقير". لا عدل في هذه الحياة الدُنيويّة. فإذا أردتَ أن تهين رجلاً تنعته بامرأة. قال أحدُهم للمتنبّي: "رأيْتُك من بعيد ظننْتُك امرأة. فأجابه المتنبّي: رأيتك من بعيد ظننتك رجلاً".

من مظاهر عدم المساواة في المجتمع ليس فقط العِرق واللّون والجنس والدّين فحسب، بل في التّفاوت الاجتماعيّ والاقتصاديّ. وورد في القرآن الكريم ما يشير  إلى ظاهرة التفاوت الطبقيّ بين النّاس، وذلك في  قوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ...).  (النّساء:32)، وقوله سبحانه: (والله فضّل بعضكم على بعض في الرّزق) (النّحل:71)، وقوله تعالى: (انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض) (الإسراء:21)، وقوله سبحانه: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) (الزّخرف:32). فهذه الآيات تشير إلى أنّ الله سبحانه قد فضّل النّاس بعضهم على بعض بالرّزق والبِنية العقليّة والجسديّة والشّكل والدّين والأخلاق. 
  
لظاهرة التّفاوت بين النّاس حكمة الصّانع سبحانه (ليبلوكم فيما آتاكم) (الأنعام:165). لو أنّ كلّ النّاس متساوون في الرّزق والصّحّة والدّين والأخلاق، لاختلّ النّظام الكونيّ والوجوديّ.

(هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (هود:61)، فهذه سنّة الحياة ليعمل النّاس عند بعضهم البعض، كما قال تعالى: (ولكم في الأرض مستقرّ ومتاعٌ إلى حين) (البقرة:36).

فأيّة مساواةٍ تتكلّمون عنها؟ انظروا إلى الوطن العربي وإلى الوضع الرّاهن أمامكم. فكم من قائد اغتيل؟ وكم من قائد سُجن؟ وكم من قدرات فُتِّتت لأنّها لا تتلاءم والخطّة المتّبعة. بصريح العبارة إذا أردتَ أن تسيطر وتفرض نفوذك فعليك أن تنظّف المكان من حولك ممّن يتجرّأ أن ينافسك. مَثَلُك مَثَلُ الجسم البشريّ الّذي يطّهر نفسه من عدوّه المرض، فتبدأ الخلايا بمحاربة الفيروس الدّخيل وترميه خارجاً. هذه سنّة الوجود. ففي خليّة النّحل ملكة واحدة وسائر القفير يعمل في خدمتها، وفي قرية النّمل ملكة واحدة وسائر النّمل ينفّذ تعليماتها. وفي الغابة ملكها والكلّ يهابه. في البيت ربُّه يديره، وفي كلّ دولة رئيسُها يديرها ويتولّى شؤونَها وشجونها. وفي هذا الكون خالقٌ يديرُه ولا يغفل عن خَلقه وعباده طرفة عين.  "لَا إِلَ?هَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ? لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا   نَوْمٌ ? لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ..." سورة البقرة آية الكرسي  (255)".

سأحاول تقريب الفكرة من جهة ثانية. إذا كنت تملك قصراً، فهل يسهل عليك أن تسلّمه لغيرك برضى وطواعيّة؟ إذا كنت تملك منصباً مرموقاً، فهل يهون عليك أن تهبه لغيرك؟ من هذا المنطلق لا تنتظر أن تحصل المرأة على حقوقها وألّا تُعنَّف في بيتها، وهي تريد أن تنتزع من الرّجل الصّلاحيّات الّتي يراها حكراً له، حيث إنّ مصلحة الرّجل تقضي أن تبقى المرأة الحلقة الأضعف ليتمكّن من أن يسود. لا تنتظر المرأة أن تصل إلى المناصب العليا دون صراع وحرب ومجابهة، لأنّ الحقّ يُنتَزع انتزاعاً كما تُنتَزع لقمة العيش من فم الدّهر، ويُنتَزع إثبات الحضور بتفتيت صخرة الواقع الّتي تصدّنا. لكن قبل ذلك هل تعرف المرأة حقوقَها لتطالبَ بها؟ هل تعي حقيقةَ وجودِها وكيانها وذاتها لتعرفَ كيف تتصرّف؟ هل تدرك قدراتِها وكفاءاتها الكامنةَ في داخلها فتكسّرَ الجمود والرّكود والقيود الّتي كُبِّلت بها من صغرِها لتنطلق؟ 

هل ستعرف واجباتِها تجاه نفسِها وأهلها وأسرتها ومجتمعها ووطنها لتنالَ حقوقَها المهضومة من دوّامةِ المجتمع التقليديّ الموروث؟ لماذا نربّي أبناءنا الذّكور على لغة الأوامر على أخواتهم؟ لماذا نسمح أن يستقوي الأخ على أخته، والأب على ابنته، والزّوج على زوجه؟ لماذا نسمح بالتّنمّر بين الأخوة في البيت الواحد، وبين طلّاب الصّف الواحد في المدرسة، وبين الموظّفين في المؤسّسة الواحدة؟

لماذا نسمح بالفوقيّة في التّعامل بين رئيس ومرؤوس، بين عامل وعامل في شركة واحدة، بين مواطن ومواطن آخر في وطن واحد؟  لماذا نجد التّفرقة بين الدّول؟ فنرى دولًا نامية وأخرى متحضّرة. لماذا يأكل القوي لحم الضّعيف؟ أين المساواة وأين العدل؟ والظّلم يلفّ الدّنيا من مشرقها إلى مغربها؟ 

ألا تعلم أنّ سياسة التهميش والتحجيم أفضل حلٍ لَكَ  لتسودَ وتهيمن؟ فإذا لمع نجمُ أحدِهم خفتَ نجمُك، لذا عليك أن تطفئ كلَّ النّجوم من حولك لتلمع وتشعّ. 

المجتمع للأسف يعتمد على مبدأ البرميل المفتوح فإذا حاول أحدُنا  الوقوفَ على البرميل نشدّه نزولاً ونغرقُه فيه، ونسحقُه. عندئذٍ نرى أنّ الأفضل لنا الانطواء والانزواء والسّكون والرّضوخ.  "ربّ كلمةٍ سلبت نعمة." نعم، أعزّائي. الانكفاء أفضل من الغرق والدّمار والهلاك.  والله يعلم بالغد المنشود.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".