Advertise here

العناد الذي أخرجه يوماً من بعبدا

13 شباط 2021 12:27:00 - آخر تحديث: 13 شباط 2021 12:55:41

ما وصل العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا مرةً حتى أمسى لبنان رهينة أطماعه وأحلامه وتعنّته.
 ومناسبة الحديث اليوم هي العناد الذي يمارسه بوجه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، والذي أشبه ما يكون بالعناد الذي مارسه في العام 1989 لفرض نفسه وشروطه وأحلامه رئيساً للجمهورية وما فلح، بل ووجه بالقوة التي أخرجته من القصر.

لا شك أن الظروف اليوم تختلف عما كانت عليه في ذلك العام، وحتى أن وضع العماد عون اليوم كرئيسٍ منتخب دستورياً يسمح له البقاء في القصر الجمهوري، والنوم ملء جفونه حتى يحين موعد انتخاب خلفٍ له. لكن هل على اللبنانيين، إذا تمكنوا من مقاومة نار جهنم، أن يظلّوا يعانون طيلة الفترة المتبقية من ولايته؟

وقف عون معانداً كل المحاولات الداخلية، والإقليمية، والدولية، والتي كانت تهدف إلى إيجاد حلٍ للأزمة المستعرة التي تسببت بها الحرب الأهلية السيّئة الذكر. وكانت شروطه آنذاك تتمحور حول شخصه، وأن يبدأ الحل من خلال تنصيبه رئيساً للجمهورية، فحاصر النواب داخل منازلهم لمنعهم من التوجّه إلى مجلس النواب لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ثم حاصرهم وهدّدهم لمنعهم من التوجّه إلى الطائف لإقرار الوثيقة الدستورية التي أضحت دستوراً لم يعترف به يوماً.

ولم يفت عون آنذاك ضرورة شنّ حرب إلغاء بوجه القوات اللبنانية انطلاقاً من حلم "توحيد" الكلمة والبندقية لصالحه، وحرب التحرير المزعومة لإخراج "قوات الاحتلال السوري" من لبنان، وظلّ بعد الحربين "عنيداً" رغم خسارته لهما وإضافة المزيد من الدمار والدماء والمعاناة للّبنانيين.

لكن عناد عون ووجه بالقوة في 13 تشرين الأول 1990، وكانت النتيجة "هروبه" من قصر بعبدا تاركاً الذين آمنوا به غير آبهٍ بمصيرهم الذي ربطه بعناده وتعنّته غير المشروع.

وها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم بصيغة مختلفة، وظروف مغايرة، لكن للسبب نفسه: العناد والتعنّت.

لبنان في أسوأ حالاته مالياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وصحياً، وبحاجة ماسة وضرورية لحكومة تضع الأسس المطلوبة لبرنامج يُخرج البلد من الضائقة التي يعيشها، لكن عناد عون وتعنّته يقف حائلاً أمام تنفيذ هذا البرنامج.

يزعم أنه ليس "باش كاتب" يوقّع على تشكيلة حكومية يرفعها إليه الرئيس المكلّف، لكنه بالمقابل يريد من هذا الرئيس أن يكون "باش كاتب" لديه يرفع له التشكيلة التي ترضي طموحاته، وتحقّق له مآربه ومآرب صهره الميمون.

يصدر عون بياناً تلو البيان لينفي عناده وتمسّكه بالثلث المعطّل في التشكيلة الحكومية، لكنه يشدّد على ضرورة أن يسمّي كل الوزراء المسيحيين في الحكومة من دون احتساب الوزراء من الحلفاء، كما يشدّد على ضرورة أن تقرّ الحكومة بمبدأ التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، ويقف بعناد في وجه قانون أقرّه مجلس النواب للتدقيق في حسابات كل الوزارات، والإدارات العامة، والصناديق، التي كانت له ولصهره اليد الطولى في تحريك أموالها، لأن عناده يقف عند حدود تطيير رياض سلامة من موقعه.

النتيجة هي عدم ولادة حكومة طالما أن عناده الذي يتسلّح به لن يدفع الأمور إلى الأمام، ولا بأس إن ذهب اللبنانيون إلى جهنّم. لكن على عون أن يعي إذا أمكنه، أن عناده نفسه الذي أخرجه يوماً من بعبدا حينما تلاقت المصالح الإقليمية والدولية، قد يخرجه مجدداً حين تتلاقى المصالح نفسها، وربما في يومٍ ليس ببعيد.