موازنة لن تبصر النور

13 شباط 2021 06:28:07

فيما كانت الانظار منصبّة على تطوير العملية التربوية، وفيما كنا ننتظر تصحيح الاجور، واعطاء المزيد من التقديمات والخدمات، للقطاع الرسمي، طالعتنا ميزانية 2021، بتوجيه ضربات موجعة ومؤلمة للقطاع العام برمته، لا سيما لجهة ما تضمنته المواد، 105،102 و 106التي تستهدف في الصميم لقمة عيش القطاع العام، وكل المكتسبات والانجازات التي حققتها روابط المتقاعدين، وهيئة تنسيق القطاع العام، سلسلة تحمل في طياتها ومضامينها ما قد ينذر بعواقب وخيمة في حال إقرارها، والتي تعني اكثر ما تعني تجريد القطاع الرسمي من حقوقه التي ناضل من أجلها طوال سنوات وسنوات.

والعجيب، أنّ من أفنوْا عمرهم كداّ وعناءً للحصول على الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة، جاءت بلحظة من اللحظات، هذه الميزانية السيئة الذكر، والتي من أهم أهدافها رَمْي اكثر من نصف الشعب اللبناني في العراء، وتركه يتخبط وحيداً مما قد يزيد الطين بِلَّة، ومما قد يساهم في تفكيك وانحلال، وزعزعة مقوماته ومكوناته.. والأعجب من ذلك، ان الموازنة صِيغت لتقضي على ما تبقَّى مما حققه العمال والمعلمون من منجزات ومكتسبات في السنوات الخوالي، خصوصاً لجهة تجاهل المتقاعدين في المواد الواردة أعلاه، وفي مقدّمها عدم ذكر المتقاعدين عند توحيد سقوف المنح المدرسية، وإبقاء المتقاعد في حيرة من أمره، يوم يُحال الى التقاعد ولمدة ثلاث سنوات، بحيث لا يعود بمقدوره الاستفادة من هذه السنوات بموجب المادة "99"، إضافة الى هذا الغموض الذي يشوب المنح المدرسية، والطبابة، فضلاً عن خفض درجة الاستشفاء الى الدرجة الثانية.

مهما يكن من أمر، فإن ما تضمنته هذه الميزانية من إجحاف بحق القطاع العام، جاء في ظل وضع اقتصادي سيء ومترهل، وفي ظل تعميم ثقافة الفساد، ما أدّى الى المزيد من إغراق الفئات الشعبية في آتون ملفات قد لا تُبقي ولا تذر. وكل ذلك، بسبب هذه الرؤيا الاقتصادية الفاشلة، التي يرعاها ويهلّل لها أصحاب الرأسمال العالي، ناظرين الى الناس من علُ، دون الالتفات الى معاناتهم وهمومهم.. علماً أن المطلوب في هذه اللحظات بالذات الانصراف فوراً الى معالجة المسائل الحياتية والمعيشية، سيما وانه كان من الاجدر معالجتها قبل وقع الواقعة، واستخلاص ما يمكن استخلاصه من عِبر وعظات..

هؤلاء اوصلونا الى ما وصلنا اليه، من تردّي اقتصادي واجتماعي بسبب من الاستهتار، وبسبب انعدام حس المسؤولية، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية، فضلاً عن ترك الحبل على غاربه، في عقد الصفقات، والنهب، والتهريب.. متجاهلة عملية الاصلاح الاداري، التي لو أُعمل بها، لكانت خطوة على طريق الاصلاح الشامل. إلا ان هؤلاء اشاحوا النظر عن ذلك، وأبقَوْا الوضع على ما هو عليه من فساد، ورشوة، وفساد (وأي فساد؟!) إنه فساد زمرة، راحت ترقص على اجساد الفقراء، ما سلبهم حقوقهم، وأدمى قلوبهم، وبناءً عل ما تقدّم، يجب سحب هذه السلسلة من التداول ومن أروقة الغرف السوداء..

لا حل الا بالعودة لبرنامج المعلم كمال جنبلاط الاقتصادي- الاجتماعي. فحذار من غرق السفينة بالجميع، وجعل لبنان في مهب الريح.. لن تستقيم قناتنا ما لم نعطِ العمال والموظفين حقوقهم. 

فلنقد السفينة سوياً، سفينة العدالة، والحرية، والديمقراطية، والمساواة قبل فوات الأوان. 

خلاصة القول: إن مشروع الموازنة لن يمر مهما كلف الامر، ومهما علا جبروتهم.