Advertise here

من يجرؤ على تشريع قانون جديد للأحزاب؟

10 شباط 2021 13:42:50

تُطلَق الشعارات، وتتكاثر المزايدات من قِبل العديد من المحلّلين والمنظّرين حول ضرورة الانتقال إلى دولة مدنية في لبنان. وتنادي أصوات عديدة في المجتمع المدني حول ضرورة إلغاء الطائفية السياسية. ويلاقي تلك الأصوات صدى عند بعض الزعماء وقادة الأحزاب رافعةً تلك الشعارات من أجل ذر الرماد في العيون، فكيف علينا أن نصدّق صدق النوايا عند أحزابٍ بنيتها الأساسية وهيكليتها التنظيمية ليست فقط طائفية، بل مذهبية؟

الدولة المدنية بحاجةٍ إلى طبقة سياسية تشرّع وفق آلية تفصل السياسة عن الدِّين. بحاجةٍ لأحزاب تفرز أشخاصاً مهيّئين لتولي مسؤوليات في الشأن العام لخدمة المواطن في كل لبنان، وليس للبيئة التي ينتمي إليها هذا المسؤول أو ذاك. 

غريب أن يتذاكى البعض في موضوع الانصهار الوطني وفق قوانين انتخاب تحاكي تحريك العصب المذهبي والطائفي وليس الوطني. وكم هو مؤسفٌ أن معظم البيئات الحاضنة لتلك الأحزاب هي بيئة مذهبية لأنها تعكس واقع وصورة تلك الأحزاب.

لا يمكن لأي قانون انتخاب، حتى ولو جرى انتخاب المجلس النيابي خارج القيد الطائفي، أن يفرز طبقة سياسية تتمتع ببُعدها الوطني طالما أنها وصلت على لوائح أحزاب يتحكّم نهجها بالمصالح المذهبية إضافة كون بنيتها التنظيمية مرتبطة بالانتماء المذهبي. لذلك لا بد من صدور قانون عصري متطور للأحزاب يحاكي الأجيال الحاضرة والمستقبلية، ويكون في هيكليّتها التنظيمية والجماهيرية إمتداد على صعيد الوطن بأكمله، ببعديه الجغرافي والطائفي. عند ذلك فقط يستطيع اللبنانيون انتخاب سلطة تشريعية وفق القانون النسبي أو الفردي، لا يهم، لأن الأحزاب التي تنخرط في الحياة السياسية حينذاك لن تعود تمثّل بيئةً مذهبية بل بيئة وطنية مقتنعة بأفكارها ونهجها.

فالقانون العصري للأحزاب يتطلب التنوّع المذهبي والمناطقي لأعضائه، وبالتالي ينعكس هذا التنوّع في القيادة، وفي كافة المسؤوليات في الحزب، كما يتطلب تقديم برامج سياسية، واقتصادية، وبيئية، وصحّية إلى ما هنالك من هموم تحاكي المواطن اللبناني. وعليه يكون الصراع بين الأحزاب المنافِسة صراع على برامج تلك الأحزاب ونهجها، وليس كما حاصل حالياً في لبنان، أي صراع مذهبي وفق تحالفات خارجية مرتكزة على المرجعيات المذهبية.

ولكن يبقى السؤال الأهم، مَن يقدر على إحداث هذه الخطوة؟ هل تتجرأ أحزاب حاكمة تتمتع بشعبية مذهبية داعمة لها أن تتخلى عن وجودها ودورها من أجل تغيير في بنية النظام اللبناني؟ بالطبع لا. هل تتخلى تلك الطغمة الحاكمة التي تصادر خيرات هذا البلد عن امتيازاتها، وتفسح المجال لقوى جديدة تنخرط في الحياة السياسية وفق برامج لتطوير البلاد وتحديث مؤسّساتها؟ بالطبع لا.

هذه ليست نظرة تشاؤمية بل نظرة واقعية على حيثيات الساحة اللبنانية حيث المنحى المذهبي متغلغل في العقول على حساب المنحى الوطني، ولا يمكن لدولة تتحكم بمفاصل الحكم فيها أحزاب ذات بعدٍ ديني في النهج والممارسة والمطالبة بالحقوق أن يتوسّم فيها المواطن خيراً في تطوير وتحسين البلاد. وإذا صحا ذات يوم  ضميرها الوطني، فالمدخل الأساسي والوحيد للتغيير هو قانون حديث وعصري للأحزاب، فهل هنالك من يجرؤ على هكذا خطوة من زعماء، أو قادة، أو أحزاب؟ والإجابة يجب أن تأتي من شعبٍ غارق في سبات عميق.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية