ما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي هو فصل الكلام. تسقط عنده كل السجالات السياسية اليومية التي تتجاذب القوى على اختلاف توجهاتها، لبنان في خطر، والخوف أن يكون هناك مخططاً منهجياً لتدميره وإستمرار انهياره. موقف متقدم جداً للبطريرك الماروني، طرح من خلاله كل الأزمات على طاولة البحث، ولم يحصر المشكلة في الإستثئار السلطوي حول تشكيل الحكومة، إنما جدد طرح فكرة الحياد، ومعالجة السلاح المتفلت أو المتعدد الإتجاهات والإنتماءات. والأهم في ما طرحه البطريرك للحفاظ على لبنان هو السعي إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية لحماية لبنان وكيانه ومقومات الدولة فيه وتثبيت النظام على أساس الدستور وحفظ وحدة الكيان على قاعدة العيش المشترك.
الموقف متقدم جداً، ويبتعد كثيراً عن أفكار وطموحات التيار الوطني الحرّ ورئيس الجمهورية ميشال عون، الذي بالتأكيد لن يتلقى رسالة البطريرك بإيجابية.
وفي الشكل ينطوي كلام البطريرك مع الكثير من المعطيات التي تدور في الكواليس السياسية حول إشاعة جو عام في لبنان يطالب بتدويل الأزمة، أو بعقد مؤتمر على الصعيد الدولي لرعاية الدولة اللبنانية وحماية مقدراتها ومرتكزاتها. في الكواليس كلام عن تحرك باتجاه المجتمع الدولي ورفع مطالبات متعددة بوضع لبنان تحت رعاية الأمم المتحدة وفقاً للفصل السابع. وهو حتماً ليس مساراً سريعاً، وغير معبدّ بالسهولة، إنما طريق طويل ينطوي على الكثير من المخاطر وارتفاع منسوب التوترات الأمنية والسياسية.
لكن في المضمون، وهو الأهم في ما قاله الراعي، عدم مراهنته على كل تلك المبادرات التي يتم البحث بها، إذ اعتبر ان كل المبادرات المحلية والإقليمية والدولية قد سقطت ولم تنجح في تحقيق التوافق المطلوب لتشكيل الحكومة. كلام لا بد من أخذه بشيء من الجدية، على الرغم من استمرار المفاوضات والمساعي الفرنسية لتوفير ظروف تشكيل الحكومة، ولكن لا يبدو ان هذه المساعي قابلة لإيجاد الحل، في ظل إستمرار التشنج والتصلب في المطالب السياسية والشروط التي يضعها رئيس الجمهورية.
وفي غضون ذلك لا تزال باريس تحاول بكل إمكانياتها البحث عن صيغة تسووية، وهي ربما تفكر في كيفية توفير تواصل مباشر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف في سياق إعادة وصل ما انقطع بينهما للذهاب إلى توافق على تشكيل الحكومة. ولكن حتى الآن ليس هناك ما يبشر بالخير.