بلغ مسرح العبث في قضايا الجامعة اللبنانية ذروة سنامه على أيدي من يتجاذبون السلطات بين مُعطّل ومُبادر ومُناور، في سياسات حدّت من تطوّرها باليُمنى، ودمّرتها بقبضة التحازب والتحاصص باليُسرى. ومع إطلاق مشروع الموازنة المقدم إلى رئاسة الحكومة، لا تجد رابطة الأساتذة المتفرغين من حيلة للنجاة سوى عبر "إضراب" لاذع، على نحو يعكس قلقهم على "الوطن" وما تبقى لمواطنيه من "وجهة علم جامعة"... ناهيك عن الشعور المُثقل باللاقيمة أو اللاتقدير، وفقدان الثقة، وضبابية المستقبل.
وبعيداً من الاجتماعات الطارئة عن بُعد والبيانات الرتيبة التي تصدر عن بعض الدكاترة ولا تلقى من المعنيين التفاتاً، لا بد من تسليط الضوء على سوريالية عدم اكتراث وزير التربية ولجانه الكثيرة ومستشاريه، بآخر صروح الوطن صموداً وباحتياجاته حيث إن الموازنة التي صدرت لا تؤسس في طيات موادها إلا لزوال القطاع العام من خلال المواد: (93، 99، 102، 103، 106، 107 و108)، ومن خلال خفض موازنة الجامعة. وهنا نسأل، ما هي الرسالة المرعية الإفهام؟ وكيف يفسّر صمت المعنيين من لامبالاة ممعنة بالخراب العظيم القادم؟
نكث بالوعود
مئة ألف طالب في مهب انهيار الوطن واقتصاده، واوضح رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية د.يوسف ضاهر لـ"نداء الوطن" أنه ومنذ أكثر من 7 أعوام، و"الجامعة اللبنانية تتأهب على سوء ما يُرام لها من مصير كئيب، ولطالما حذرنا من الوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم من وضع يقوم به ممثلو الوزارة بالتفاوض الشكلي معنا على آخر ما تبقى لنا من حقوق مكتسبة بذريعة صندوق النقد الدولي. أضف إلى أنه لا يمكننا الوثوق بسلطة نكثت بالاتفاق الذي عقدته معنا كرابطة بتاريخ 28-6-2019 والذي نصرّ على تنفيذه كاملاً بحذافيره. واليوم، وفي حين أننا طالبنا بزيادة هذه الموازنة لكي تستطيع الجامعة الاستجابة إلى حاجاتها والعمل سريعاً على تفرغ الأساتذة المتعاقدين المستوفين الشروط، إضافة إلى إدخال الأساتذة المتفرغين والمتفرغين المتقاعدين إلى الملاك، وإعادة العمل بمجلس الجامعة بكامل صلاحياته، يجري التفاوض معنا على إلغاء القطاع العام بالكامل، أو إعطائهم الصندوق مقابل منحة التعليم، أو الإندراج في خطة حالمة بعنوان الاستفادة من ضمان شيخوخة ما!... تسويف للمطالب وتدمير لكل ما هو إصلاح".
وأردف: "بات صندوق النقد الدولي أداة النظام القمعي المستهتر بنا وشمّاعته الغليظة التي تؤدب بها السلطة رجال علمها وتهدر ثرواتهم الفكرية، ومؤسسة يتلطون خلفها لضرب أهل العلم والقضاء على ما تبقى من طبقة متعلمة!... سبق وأعلنا، ونكرر استمرارنا في الإضراب الشامل في الجامعة اللبنانية، خلال الأسبوع المقبل (8-14 شباط) على أن يكون إضراباً مفتوحاً إذا لم تحذف المواد التي طالبنا بحذفها أو استثناء الجامعة نهائياً منها. ولا نرى إصلاحاً جذرياً سوى في وضع موازنة مبنية على رؤية اقتصادية تستعيد الأموال المنهوبة والمهربة والودائع وأملاك الدولة وتلجم التهرب الضريبي والجمركي وتضبط الجبايات والمعابر، وتعزز التعليم والاستثمار بالعقول وتعتمد نظاماً ضريبياً تصاعدياً عادلاً وتشجع على الصناعة والزراعة والقطاعات المحلية المربحة بالتلازم مع بنى تحتية صلبة، وتعزز القدرة الشرائية عند مختلف فئات الشعب لتسريع دورة الاقتصاد المنتج وليس عبر الأساتذة!".
تضامن الطلبة
"ولربما أفضل ما حفلت به أيام الأسبوع "الإضرابي" المنصرم، هو تضامن تكتل الطلبة مع مطالب الأساتذة وهجاؤهم للنموذج التخريبي الجارية بلورته كمصير لا مفر لنا منه، وذلك من ضمن مسلسل ضرب الجامعة منذ سنوات وسلسلة الانهيارات في كافة القطاعات في لبنان مؤخراً" بهذه الكلمات شرح الدكتور باسل صالح كيف يتم من باب ضرب الوظيفة العامة والقطاع العام ضرب مجتمع كامل ومؤسسة بنيوية من المفترض أنها تغذي المجتمع وتقوده. فمشروع الموازنة غير الرؤيوي لا يلغي حقوق الأساتذة المكتسبة وحسب، إنما فيه إعلان حرب تجويع وإفقار على الشعب اللبناني".
على سبيل المثال لا الحصر، ومن أجل جعل الصورة أوضح، وصف صالح "العدوان المفتوح" على الوظيفة العامة وفي مقدمها وظيفة الأساتذة بأنه "غير لائق، وقد وصل إلى درجة التقشف بأوراق الإمتحانات والمحابر والألواح والتفاصيل الصغيرة التي من المفترض أنها من أقل الحقوق. أو حتى كيف يستفيد الطالب من امتيازات الضمان الإجتماعي في حين أن من يُعلّمه لا يُغطى ضماناً! والعبرة في التفاصيل وفي توجه ضرب النظام التقاعدي ومحو التقديمات الاجتماعية، وضرب الوظيفة العامة والتعليم العالي والرسمي، في وقت يناضل فيه الطالب اللبناني للتعايش مع أقسى الظروف، ولم يعد فيه للكوادر الشبابية من ملاذ سوى الجامعة الوطنية، وبالتالي سيتم دفعهم إلى الهجرة أو الجنوح نحو مسالك غير سوية، بدلاً من تعزيز أوضاعهم الإجتماعية ومساعدتهم على الاستمرار بتحصيلهم العلمي".
وختم صالح: "أمر لافت أن تراهن سلطة تصريف الإهمال على التقشف كخشبة خلاص وهندسة النجاة بحلولٍ مستعصية تعكس استعراضاً للقوة في وهن الإنهيار. فإن مجرد التفكير بالمس بالجامعة اللبنانية في هذا الوقت تحديداً ما هو إلا تفكير كارثي! وعلى ذهنية وآلية الدولة أن تتغير إذ أن أحد أهم الشروط الأساسية لمكافحة الجريمة وإحقاق الإصلاح هو دعم الصروح التعليمية وكوادرها، لا العكس".