إنّ الفترة الفاصلة بين استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة تكون فترة تصريف أعمال حكومية.
تبدأ عملية تصريف الأعمال مع إعلان رئيس الجمهورية قبول استقالة الحكومة ورئيسها، وحتى نيل الحكومة الجديدة الثقة من المجلس النيابي، وذلك في خلال 30 يوماً من صدور مرسوم التشكيل.
لا توجد نصوص دستورية واضحة تتناول هذا الموضوع ما يجعل الممارسة العملية طاغيةً على النصوص. وتختلف الاجتهادات والآراء حول تحديد مفهوم وحدود الأعمال المسموح للحكومة القيام بها في مرحلة تصريف الأعمال.
الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور اللبناني تناولت موضوع تصريف الأعمال في معرض تناول صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وجاء فيها، ”لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها، أو اعتبارها مستقيلة، إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال".
فالحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة بالنسبة للوزارة الجديدة، أو بعد استقالتها، أو اعتبارها مستقيلة إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال.
وقد اعتمد كلٌ من الدستور والاجتهاد على القانون الفرنسي في تحديد مفهوم تصريف الأعمال فاتفقا على أنه لا يمكنها أن ترتب أعباءً جديدة على الخزينة، أو أن تعقد اتفاقيات، أو تفتح اعتماداتٍ مالية أو تنقلها إلّا بالنسبة للأمور التي يقتضيها تصريف الأعمال.
فتصريف الأعمال هو كل عمل ضروري لتسيير المرفق العام بالحد الأدنى الذي لا ينتج عنه مشاريع جديدة أو قرارات ترتّب على الدولة مسؤوليات مالية، أو إدارية أو سياسية جديدة للمستقبل.
فالسند القانوني الأهم لصلاحيات حكومة تصريف الأعمال يكمن في مبدأ ديمومة الدولة واستمرارها، وهذا ما يعطيها السند القانوني للتصرّف في كلا الأحوال العادية والاستثنائية أو الضرورية.
وهناك مبدأ دستوري يقضي بضرورة استمرار الإدارة والمرافق العامة في الدولة، والذي يعدّ مبدأً أساسياً لنظرية تصريف الأعمال حيث لا فراغ في السلطة،
ما يسمح في هذه الحالة للمجلس الاجتماع لاتخاذ قرارات تكتسب صفة الضرورة لتسيير المرفق العام، كحالات الحروب أو الكوارث الطبيعية أو ما يشابهها من الظروف الاستثنائية، كحالة الوباء الصحي أو الأزمة الاقتصادية الحادة كالتي يمرّ بها البلد اليوم، وكل ذلك تحت مراقبة القضاء.
ورغم كل الأمور الاستثنائية الصحية والاقتصادية التي نواجهها اليوم، والتي تمسّ بالأمن العام للبلد وصحة المجتمع، ما يرتّب حالة استثنائية يمكن توسيع نطاق تصريف الأعمال من خلالها، ولكن ذلك لا يصل إلى إعطاء الحق لحكومة تصريف الأعمال بإقرار موازنة عامة وإرسالها إلى مجلس النواب.
هنالك عرفٌ يقول إنّه في حالة استقالة الحكومة يجوز للحكومة إقرار الموازنة المقررة بموجب حكومة غير مستقيلة. والإحالة قد تكون جائزة لأنّها عملٌ غير منشأ لحالةٍ قانونية جديدة، في حين أن إقرار موازنة جديدة هو عمل يتّصف بالصفة الإجرائية بامتياز لأنه يعبّر عن توجيهات الحكومة وبرنامج عملها، وكيفية التصدي للاستحقاقات المالية، وجباية الأموال، وتعديل القانون. فالإجازة للحكومة المستقيلة بإقرار الموازنة هو مخالف للمبادئ القانونية بإقرار الموازنة، ولا يمكن أن يدخل ضمن الإلزامات الضرورية بمعناها الضيّق، خاصةً في ظل وجود بديلٍ يمكن اعتماده وهو القاعدة الاثني عشرية حيث يتمّ الصرف على أساسها، خصوصاً وأنّ الموازنة تكون لسنة، وبالتالي ستكون ملزمة للحكومة الجديدة.
كما أن النظام البرلماني اللبناني يقوم على ركيزة أساسية مفادها مسؤولية السلطة التنفيذية أمام مجلس النواب، أي ربط ممارسة الحكومة لصلاحياتها بحصولها على ثقة السلطة التشريعية، لذلك إنّ استقالة الحكومة، أو اعتبارها بحكم المستقيلة، يؤدي إلى زوال هذه المسؤولية ما يجعلها خارج الرقابة السياسية للسلطة التشريعية التي تفقد بالتالي قدرتها على سحب الثقة من الحكومة. ولمّا كانت السلطة لا تُمنح إلّا لجهةٍ تخضع للمحاسبة، لذلك كان الحد من صلاحيات الحكومة المستقيلة هو نتيجة منطقية تفرضها الطبيعة البرلمانية للنظام.