بالترغيب، أم بالترهيب، يبدو أن البعض بات يرفض صيغة التنوّع التي تميّز بها لبنان على مرّ العقود، واختار إحلال الشمولية بديلاً. لم يعد مجرّد اختلاف الرأي حرية، بل صار معركةَ تحدٍ وصمود، وخسارتها ليست خياراً، إنما الانتصار واجبٌ للمحافظة على لبنان الذي نحب.
من عراق هشام الهاشمي، إلى لبنان لقمان سليم، مبدأ إلغاء الآخر هو نفسه. عشر رصاصات تقاسمها الاثنان، والهدف واحد: فرض الهيبة والخوف للوصول إلى الطاعة المرجوّة. حتى أن القتلة الذين لا يَفْقَهون من الحياة إلّا الموت والقتل اعتمدوا الطريقة نفسها: قتل المغدور في سيارته بالرصاص، علّهم يكتمون ما أزعجهم سماعه.
الانحلال الثقافي الذي بتنا نلاحظه في لبنان، أو تأخرنا في ملاحظته اليوم، يتجسّد في كواتم الصوت من جهة، والدولة البوليسية من جهةٍ أخرى، وهو استكمالٌ لمرحلة الاغتيالات التي شهدتها البلاد بين العامين 2005 و2013. أما الهدف فهو واحد: المعارضة ممنوعة، والتعددية مرفوضة، وحرية الرأي والتعبير جريمة، أمّا ممارسة الحرية السياسية، فهذه من المحرّمات.
الانصياع إلى سلطة الترهيب والخوف التي يريد أن يرسيها قاتل لقمان سليم يحوّل جريمة الاغتيال إلى جماعية. فالتطبيع مع القتل وكتم الأصوات هو اغتيالٌ للبنان الحضارة والثقافة والحرية، وإنهاءٌ للتعددية التي لطالما استمدينا قوّتَنا من وجودها. وما تشبُّثنا بمبادئنا إلّا الرد الساحق على الجريمة المذكورة، والرصاص بالنسبة للقَتَلة.
لا تخافوا من الحرية، بل خافوا عليها. إنّ اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، التمسّك بالهوية اللبنانية العربية مطلوبٌ للانتصار على الموجة الثقافية الغريبة التي تهدّدنا. إنتصر اللبنانيّون على الاحتلال فدحروا الأعداء، وانتصروا على سلطات الوصاية فاستعادوا وطنهم حراً مستقلاً، وما المعركة الحالية إلّا استكمالٌ لتحرير لبنان مِن مَن أراد الاستيلاء عليه بالقوة تارةً، وبالقانون طوراً.
الاغتيال ليس أسوأ ما قد يواجهه الأحرار، بل التأقلم مع القمع والإرهاب. والسكوت عن الحق هو المصير الأسوأ. قال سمير قصير إن الإحباط ليس قدراً، وفضّل النضال والشهادة. أما كمال جنبلاط، فكأنه يناديكم، "صموداً أيها الناس الذين أحبّهم. صبراً على الغضب. ضعوا بين العيون الشمس، والفولاذ في العصب".