صرح الزعيم اللبناني وليد جنبلاط: "أن لبنان واقع تحت الهيمنة الإيرانية، وأن هناك وصاية على لبنان"، متوجهاً بسؤال عما إذا كانت إيران تعترف بالكيان اللبناني؟
ونظن أن جنبلاط يجيب بنفسه عن سؤاله، فجمهورية إيران لا تريد كياناً لبنانياً. ويمكن أن يطرح هذا السؤال وجوابه على الواقع العراقي، واليمني، والسوري أيضاً.. فهي بلدان عربية واقعة تحت أكثر من الوصاية الإيرانية أو الهيمنة، بل الاحتلال. وربما أكثر من الاحتلال، بل تذويب هذه الكيانات في كيان مشروعها المعروف: إيران الكبرى، مدعومةً بـ"هلالها" المعروف، من بلادها إلى عدد من البلدان العربية، ملغيةً الحدود الرسمية، والحكومات المحلية، والدساتير وحتى العادات والتقاليد.
ونظن أن سؤال جنبلاط سبق أن أجاب عنه عدد من المسؤولين الكبار في بلاد الملالي، من خامنئي إلى قاسم سليماني إلى آخرين: لبنان وسوريا والعراق واليمن جزء من إيران وولايات تابعة لها، على غرار متصرفيات العثمانيين سابقاً. إنه إذن أكبر من مجرد نفوذ.
وإذا توقفنا عند لبنان، فنجد أن كل ما يذكر بكيانه، وبالجمهورية والقوانين والأعراف والمؤسسات، مصادَرٌ مصادرةً شبه تامة: فقرار الحرب والسلم، وتأليف الحكومات، وانتخاب رئاسة الجمهورية.. كلها في يد وكيل المرشد الإيراني، أي "حزب الله".
ربما تأخر وليد جنبلاط (كزعيم) في إعلان "نيات إيران" المتجسدة بتصرفات الحزب واعتماد سلاحه أداةً لتحقيق الضمّ، وترسيخ فكرة الذوبان الكلي في الإمبراطورية الفارسية.
ولا ننسى أن الحروب التي اندلعت منذ عام 1975، وتشظي لبنان كانتونات ودويلات طائفية، كانت جزءاً من محاولات تحويل لبنان "كيانات" و"شعوباً"، وتواريخ متناثرة استباحت لبنان من كل وافد: إسرائيل، سوريا، منظمة التحرير.. مرتبطة نفسياً وتاريخياً بهذه المقولات التي تحول البلد إلى مشاعات وساحات نفوذ للخارج.
كان حافظ الأسد يقول: "لبنان وسوريا شعب واحد بدولتين!" لكن سواء أكان واحداً أو أكثر فإنه "توحد" تحت الوصاية السورية، الأمر الذي جعل كيانه "يهتز". وهنا بالذات نجد أن "حزب الله" استفاد من هذا الواقع وعمل على تكريسه: فإذا كان الكيان اللبناني "متحوراً رجراجاً"، فلماذا عدم السيطرة عليه وإنشاء كيان بديل، قائم على محو الذاكرة العربية واللبنانية بتاريخيتها؟
الكيان ليس مجرد مفهوم تجريدي، بل يتألف من مكونات أساسية: دستور قائم، وسيادة وطنية، وديمقراطية مفتوحة، وانتماء شامل.. تجعل منها جميعاً هويته الأساسية.
واليوم يتكلم كثير من اللبنانيين عن الكيان اللبناني، وما زالوا يراهنون على الخارج (الكلام على امتداد 160 عاماً)، بل انخرط بعضهم في لعبة "حزب الله" لحسابات سياسية صغيرة ومصالح آنية على حساب هذه الكيانية التي إن فُقد عنصر من عناصرها انهارت كلها، فما بالك إذا كانت مكوناتها قد تفككت وتلاشت وأدت إلى ما نشهده اليوم: سياسيون يتلهون بصراعاتهم، وفاسدون ينهبون البلد، وصراعات جانبية يرعاها "حزب الله" ويمعن في تعميقها ليتسنّى له تحقيق ضرب الكيانية بمن فيها وما فيها!
وأخيراً، نظن أن هذه المرحلة دقيقة جداً على كل المستويات، ونخشى أن يستفيد الحزب من هذا الواقع، ليحقق "الحل الأخير"، أي ابتلاع لبنان بمساعدة المتحالفين والمتواطئين بمن فيهم معارضوه، من خلال أخطائهم، وغياب أي استراتيجية لمواجهة مخططاته الإمبراطورية!