Advertise here

السلع المدعومة في الأسواق الخارجية.. التجّار يحققون أرباحاً خياليةً

01 شباط 2021 19:29:27

اللبنانيون في الكونغو وسكان العاصمة كينشاسا يفهمون لغة الإشارة ربما أكثر من غيرهم. فهم يعلمون معنى "شغالين الخط"، و"تجار الشنطة" و"الباكيدج". هي مصطلحات متداولة ومألوفة لديهم، خصوصاً مع استفحال الأزمة التي يمر بها لبنان، وخصوصاً على مستوى فقدان المواد الغذائية والأدوية المدعومة.

أنواع التجار
"تجار الشنطة" هم وسطاء أو سماسرة وحسب. يعملون على نطاق ضيق. يقبضون ثمن توصيل البضائع من لبنان إلى هناك بالطائرة وبكلفة إضافية زهيدة: فقط عشرة دولارات عن كل كيلو غرام إضافي في شنطة السفر. أما "شغالين الخط" فهم ليسوا سماسرة وحسب بل أيضاً تجار على خط بيروت-كينشاسا. ينقلون كل ما يحتاجه اللبناني وغير اللبناني هناك. خبز وألبان وأجبان وعسل بلدي وأدوية بما فيها لقاحات الأطفال. أما "الباكيدج" فما هي إلا "التوضيبة" التي يحضرها التجار في لبنان لأقرانهم في كينشاسا. وهي "توضيبة" بسيطة عبارة عن حاوية (كونتينر) يحوي كل ما لذا وطاب من المواد الغذائية المدعومة في لبنان. والمواد المدعومة هي تلك التي يتم استيرادها أصلاً وفق تسعير الدولار بـ1500 ليرة و3900 ليرة، ومن بقية ما تبقى من احتياطات المصرف المركزي المستنفدة.

وبدلاً من أن يبيعها التجار في الأسواق اللبنانية، فإنهم يهرّبونها لبيعها بدولارات طازجة، يحفظونها في حسابات مصرفية خارج لبنان. وهذا عمل يرقى إلى سوية "الجريمة الاقتصادية الشاملة" بحق اللبنانيين.

الأمن الغذائي
هذه المقدمة ضرورية حيال ما طالبت به نقابة مستوردي المواد الغذائية بوضع استراتيجية وطنية ورؤية متكاملة للحافظ على الأمن الغذائي للبنانيين، شاكية من صعوبة الحصول على السيولة بالليرة والدولار، وصعوبة الحصول على الدعم، كما جاء في بيانها اليوم الإثنين في الأول من شباط. كذلك هي ضرورية حيال فقدان الأسواق من معظم الأدوية.

هذا النوع من التجارة، الذي كان سائداً باستمرار بين لبنان والكونغو، بات اليوم مصدر كسب لحفنة تجار لبنانيين هناك، على حساب الأمن الغذائي والدوائي لكل اللبنانيين هنا.

وكانت هذه التجارة طبيعية والتجار معروفون بالأسماء والعائلات لجميع اللبنانيين هناك، مثل عائلة "ع". و"ب". و"ك". و"ي". و"أ". و"ت.د". ومضى عليها سنوات طويلة، وكانت لا تشكل أي تهديد للبنانيين في لبنان. لكن في ظل مدّ الدولة يدها "للشحاذة" من البنك الدولي لإطعام اللبنانيين، باتت هذه التجارة "سرقة موصوفة" للقمة عيشينا. وباتت "تجارة الشنطة" نصباً واحتيالاً علينا جميعاً.

في أسواق كينشاسا
في ظل الأزمة التي يمر بها لبنان، لماذا لا تزال هذه التجارة قائمة؟ لماذا يحرم اللبنانيون من هذه البضائع وتهرّب إلى أكثر من دولة إفريقية؟ ومن يحمي هؤلاء كي يتمكنوا من تصدير كميات كبيرة من البضائع؟ 

الأسواق في كينشاسا مليئة بالمواد الغذائية والأودية اللبنانية المدعومة. وهي تباع في المتاجر التي يملكها اللبنانيون وغير اللبنانيين. أي أنها تهرّب بكميات كبيرة من لبنان. فكيف تمر من لبنان إلى الكونغو؟ هل تعلم إدارة الجمارك بها؟ 

"حتى من عند الهنود فينا نشتري بضاعة لبنانية"، قال أحد اللبنانيين، مشيراً إلى أن البضائع متوفرة وبكثرة. وأضاف: "صارت تفرق معهن (التجار) منيح ع فرق سعر الدولار". 

كيس كعك "شمسين" الذي يباع هناك بستة دولارات، رغم أن السعر اللبناني الملصق عليه هو 4000 ليرة، سعره في لبنان أقل من نصف دولار على سعر صرف السوق، ويباع هناك بنحو 53 ألف ليرة، بربح يصل إلى 12 ضعفاً عن لبنان. جبنة "البيكون" تباع بـ13 دولاراً، وثمنها في لبنان نحو 12 ألف ليرة، أي نحو دولار ونصف، أي الربح منها يصل إلى نحو تسعة أضعاف. 

دواء "غلوكوفاج" لمرضى السكري، المفقود من لبنان، يباع هناك بـ16 دولاراً وثمنه في لبنان 14500 ليرة، ما يوازي 1.7 دولار على سعر صرف السوق. وغفل صاحب الصيدلية عن نزع التسعيرة اللبنانية عنه. وتشير الفاتورة المرفقة (آخر النص) الصادرة بتاريخ 30 كانون الثاني، أنه يباع هناك بنحو 16 دولار. علماً أن تاريخ صنع الدواء يعود إلى شهر آب 2020. أي أنه صُدّر إلى هناك حديثاً وبعد انفجار الأزمة في لبنان بنحو سنة. 

كيلو العسل البلدي يباع بثلاثين دولاراً وثمنه في لبنان نحو خمسين ألف ليرة. وقص على ذلك. أي أنها تجارة مربحة في ظل انهيار العملة اللبنانية وكسب أرباح مضاعفة فرق عملة. 

وإذا كنت أباً ولديك أطفال في كينشاسا فلا تقلق. جميع أنواع اللقاحات متوفرة، وكلها ترسل من لبنان. لكنك لن تحصل عليها هناك مثل كل السلع، بسعر مدعوم مثل لبنان. إلا أنها تفي بالغرض في ظل عدم توافر الأدوية واللقاحات هناك.  

أما سبل تهريب البضائع من لبنان فتتم عبر خطين. إما عبر مطار بيروت بواسطة حقيبة السفر للبضائع الثمينة أو الحساسة. أو عبر الكونتينر الذي يحوي على البضائع "الباكيدج" التي توضبها مؤسسات من مواد غذائية وأدوية وحتى الثياب، بواسطة البواخر. لذا تسأل مصادر مطلعة في كينشاسا: من يستورد كونتينرات ضخمة ألا يمررها عبر المرفأ؟ ولماذا لا تعلم بها الجمارك طالما يعلم بها كل اللبنانيين هنا؟ ولماذا لا يتم منعها؟ 

هذه الفاتورة تعود لعلبة الدواء الآنف الذكر وقد ابتاعه أحد اللبنانيين هناك منذ يومين.