Advertise here

باع صليبه لإطعام الفقراء وشيّعه المسلمون قبل المسيحيين... ما أحوج زمننا لأمثال البطريرك حداد

01 شباط 2021 18:15:33

في الزمن الصعب الذي نعيشه في هذه الأيام تعود إلى الذاكرة قامات كبيرة كان لها الموقف الشجاع عندما احتاجها الناس، فما أقاموا اعتباراً لأي حاجز طائفي، أو مناطقي، أو مذهبي. وكم كان كبيراً البطريرك غريغوريوس حداد يوم باع صليباً أهداه إياه قيصر روسيا من أجل إطعام الجياع يوم زار بلادنا شبح المجاعة مطلع القرن الماضي، فاتحاً أبواب الكنائس والأديرة أمام كل ملهوف دون السؤال عن أصله ونسبه.

"أبا الفقراء والمساكين"، هكذا وصفه كل من عرفه، ونُعِت بكل الصفات الإنسانية لوقوفه إلى جانب الناس في أحلك الظروف. فصحيحٌ أنّه كان بطريركاً لأنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، لكنه لم يتردّد عن بيع ممتلكات الكنسية والأوقاف ليساعد المسلمين قبل المسيحيين. 

ويروى أن حداد كان يقف بنفسه على حاجات الفقراء، وكان في كثيرٍ من الأحيان يُحضرهم إلى دار البطريركية والمدرسة التي تقابلها، ويعتني بإعالتهم. وكثيراً ما كان يُطعمهم بيده غير ناظرٍ إلى مِلَلهم، مستديناً المال لذلك. وإبّان مجاعة "السفربرلك" التي اجتاحت شعوب المنطقة في سنوات الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، استنهض الهمم لمساعدة الجائعين والبائسين، وفتح أبواب البطريركية في دمشق لإطعام الجياع، وحتى الوافدين من بيروت.

 يروى أنّه رأى من نافذة مكتبه في إحدى المرات أحد رجال الكنيسة يدفع رجلاً جاء سائلاً رغيف خبز إلى خارج البطريركية، فدعا البطريرك رجل الكنيسة، وطلب منه إحضار رغيف خبز، وقال له: "أنظر إلى الرغيف. هل كُتِب عليه اسم من سيأكله؟ أعطِه إلى كل محتاج يأتي إلى البطريركية. فالرغيف ليس لأهل البطريركية بل لكل طارقٍ لأبوابها".

هذا، وكان البطريرك حداد عربيّ الهوى متاصلاً بانتمائه الوطني. وقد بايع البطريرك فيصل ملكاً في ربيع سنة 1920، إثر مؤتمر دمشق الذي نادى باستقلال سوريا الطبيعية. هذا، وكان مناهضاً للانتداب الفرنسي الذي وضعه مراراً تحت الإقامة الجبرية بسبب مواقفه.

رحل البطريرك غريغوريوس في 17 حزيران عام 1928، وشُيّع جثمانه من بيروت إلى دمشق بحضور عشرات الآلاف، بينهم أكثر من 50 ألف مسلم دمشقي، وعدد كبيرٍ من شيوخ المسلمين. فيوم تشييعه كان من الصعب التمييز إن كان الراحل هو مسلمٌ أو مسيحي، وحُمل على راحات الدمشقيين، كما حملهم في أيام الصعاب. فما أحوجنا إلى أمثال هذا الكبير في هذا الزمن تحديداً.

تشاهدون تفاصيل أكثر عن البطريرك حداد في الفيديو المرفق.