Advertise here

مُشكلة هيكلية في المالية العامّة والحلّ...

17 كانون الأول 2018 09:14:00 - آخر تحديث: 17 كانون الأول 2018 09:15:30

تُظهر أرقام وزارة المال أن مشكلة المالية العامّة هي مُشكلة هيكلية مع تصدّع التوازن المالي بين الإيرادات والإنفاق العام. وتشريح هذه الأرقام يؤدّي إلى نتيجة كارثية ألا وهي إرتفاع هيكلي في الإنفاق وإنخفاض في الواردات تأخذ أبعادًا سيصل معها عجز الموازنة إلى 15% من الناتج المحلّي الإجمالي.
أرقام صادمة تُظهرها الأرقام المنشورة على البوابة الإلكترونية لوزارة المال، فمتوسط الإنفاق الشهري 1.5 مليار دولار أميركي مقارنة بإيرادات شهرية وسطية بقيمة مليار دولار أميركي أي أن هناك عجز شهري بقيمة نصف مليار دولار أميركي شهريًا أو 6 مليار دولار أميركي سنويًا!! نعم هذه الأرقام الصادمة تحتاج إلى معالجة فورية تحت طائلة الوصول إلى المحظور.
تشريح هذه الأرقام يؤدّي إلى النتيجة التالية: 35% من إجمالي الإنفاق يذهب إلى بند الأجور، 32% تذهب إلى خدمة فوائد الدين العام، 12% تحويلات من الخزينة (منها 9% إلى مؤسسة كهرباء لبنان)، 6% إنفاق الخزينة، 5% إنفاق إستثماري (إلى مجلس الإنماء والإعمار بالدرجة الأولى)، و9% إنفاق غير مُحدّد (بغياب قطع الحساب).
والصادم الأكبر في الأمر أن هناك إنفاق من السنين السابقة بقيمة مليار دولار أميركي سنويًا (7.5%) يتمّ إدخاله إلى موازنة السنة التالية.
في المقابل نرى أن الإيرادات موزّعة على الشكل التالي: العائدات الضريبية 84% (23% الضريبة على القيمة المُضافة، 12% الجمارك، و49% عائدات ضريبية أخرى)، وعائدات غير ضريبية 16% (6% الإتصالات). ومقارنة الإيرادات بالإنفاق يُظهر أن مدخول الدولة لا يُغطي إلا بندين : خدمة الدين العام وكتلة الأجور مما يعني أن كل الإنفاق الأخر هو عجز في الموازنة. وقد بلغ عجز الموازنة في الأشهر الست الأولى من العام 2018 ثلاثة مليارات دولار أميركي مما يعني أنه على هذا المُعدّل من المرجّح أن يكون العجز في نهاية هذا العام بحدود الـ 6 مليار دولار أميركي مقارنة بـ 4.8 مليار د.أ متوقّعة في موازنة العام 2018!
الجدير ذكره أن الزيادة في الإنفاق بين الأشهر الست الأولى من العام 2018 والفترة نفسها من العام 2017 هي 2500 مليار ليرة لبنانية أو ما يوازي 1.66 مليار د.أ. هذا الفارق مُبرّر بقسم بخدمة الدين العام، إلا أن القسم الأخر غير مُحدّد بحكم محدودية الأرقام المُتوفّرة. هذا الأمر يطرح السؤال: أين هي الأبواب التي إستفادت من هذا الإرتفاع في الإنفاق العام؟ هل ذهبت إلى خدمات عامّة وأين هي هذه الخدمات؟

 

      
      
الإنفاق العام يُظهر إرتفاعًا واضحًا في خدمة الدين العام حيث من المُتوقّع أن تبلغ قيمة المدفوعات في نهاية العام ما يوازي 5.57 مليار دولار أميركي مقارنة بـ 4.99 مليار د.أ في العام 2017 أي بإرتفاع 580 مليون د.أ وهذه النسبة مُرشّحة إلى الإرتفاع في العامّ 2019 مع إرتفاع الفوائد في السوق اللبناني ولكن أيضًا نتيجة إرتفاع الفائدة في الولايات المُتحدة الأميركية لتُصبح الزيادة في خدمة الدين العام بحدود الـ 6.5 مليار د.أ في العام 2019 بغياب أية إصلاحات.
الإرتفاع في الإنفاق مسؤول عنه أيضًا سلسلة الرتب والرواتب التي بلغت كلفتها بحساباتنا الـ 1.87 مليار د.أ حيث نرى أن المُعدّل الشهري للإنفاق العامّ إرتفع منذ أيلول العام 2017 ليُثبت قسم من مسؤولية السلسلة عن هذا الإرتفاع.
في المُقابل، لم تكن حال المداخيل أفضل، فقد إنخفضت المداخيل في الأشهر الست الأولى من العام 2018 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2017. وإذا كان قسم من هذا الإنخفاض يعود إلى الضرائب التي دفعتها المصارف على الأرباح من الهندسة المالية، إلا أن القسم الأخر يعود من أدنى شكّ إلى التهرّب الضريبي الذي تُثبته عائدات الضرائب على الشركات وعلى الأفراد!
      


      
الأرقام تُشير بوضوح إلى تراجع المداخيل الجمركية والتي بسبب دخول معاهدة التجارة الحرّة بين لبنان والإتحاد الأوروبي مرحلة التطبيق الكلّي في أذار 2015 وحرمت الخزينة من كمّ هائل من الأموال. والأصعب في الأمر أن الإستيراد اللبناني بلغ 15.5 مليار د.أ في الأشهر التسعة الأولى من العام 2018 وما يواكبه من خروج دولارات من لبنان مقارنة بـ 2.6 مليار د.أ صادرات على الفترة نفسها. هذا الأمر يزيج عجو ميزان المدفوعات وما يرافقه من ضغط على الثبات النقدي. هذه الجريمة التي يرتكبها اللبناني بحقّ نفسه تفرض على الحكومة إعادة فرض رسوم جمركية خصوصًا أن المُعهدات الدوّلية تسمح بإعادة فرض رسوم جمركية في حال كان هناك عجز في ميزان المدفوعات.
الحال ليس بإفضل مع الإتصالات التي تراجعت مداخيلها في الأشهر الست الأولى من العام 2018 (318 مليون د.أ) نسبة إلى الفترة نفسها من العام 2017 (431 مليون د.أ) والعام 2016 (618 مليون د.أ).
إذًا مما تقدّم نرى أن هناك مُشكلة هيكلية تتثّل بإنفاق أصبح يُشكّل 1.7 حجم الإيرادات (كمعدّل وسطي) وبالتالي هناك أربعة خطوات واجب إتخاذها بسرعة قصوى:
أولًا – إعادة فرض رسوم جمركية على البضائع المُستوردة من الإتحاد الأوروبي (40% من إجمالي الإستيراد) والدول العربية.
ثانيًا – وقف التوظيف العشوائي في الدولة اللبنانية تحت أي مسمّى كان.
ثالثًا – بدء محاربة التهرب الضريبي الذي يُشكّل 7.2% من الناتج المحلّي الإجمالي.
رابعًا – حلّ مُشكلة الكهرباء التي تُكلّف الدوّلة ملياري دولار أميركي سنويًا والمواطن اللبناني 4 مليار د.أ.
في كلّ الأحوال إن إينرثيا المالية العامّة سيجعل العجز في الموازنة 15% من الناتج المحلّي الإجمالي وهذا ما توقعته غولدمان ساكس. أما خفض النظرة المُستقبلية للبنان من قبل وكالة التصنيف الإئتماني موديز هي خطوة تسبق خفض التصنيف الإئتماني للبنان. وبالتالي وبحسب الوكالة هناك حالة واحدة يُمكن أن تمنع موديز من القيام بهذه الخطوة ألا وهي إجراء إصلاحات فعلية. فهل هناك من يسمع؟

*خبير إقتصادي وإستراتيجي