Advertise here

المخدّرات تهدم الطّاقات... متى يستفيق المسؤولون من سباتهم فيطبّقوا القوانين؟

28 كانون الثاني 2021 14:10:07

المخدّراتُ كلمةٌ مشتقّةٌ منَ الفعلِ "خدّر" أي جمّدَ العقلَ، وشوّشَهُ، وشلَّ الحركةَ وأفسدَها، وأضعفَ الجسمَ وجعلَهُ مترهِّلاً ومضطرِباً. والفعلُ "خدّر" فعلٌ مضعّفُ الوسطِ ما يشيرُ إلى الإكثارِ منَ التخديرِ والمبالغةِ في الأمرِ.

 للمخدّراتِ أنواعٌ، كحشيشةِ الكيفِ والأفيونِ، والهيرويينِ، والكوكايينِ، وL.S.D  وغيرِها. حيثُ أنَّ تعاطيَ المخدّراتِ آفةٌ اجتماعيّةٌ كبرى تفتكُ بالصحّةِ والأخلاقِ. فما هيَ العوارضُ الّتي تصيبُ المدمنينَ، وماذا ينتجُ عنْها؟ وما هيَ الأسبابُ الّتي تدفعُهم إلى التعاطي والإدمانِ؟

تعاطي المخدّراتِ أمرٌ نفسيُّ التأثيرِ، ويبدأُ كدليلٍ على الرّقيِّ والتطوّرِ بحسبِ قناعاتِ المراهقينَ، وزيادةِ ثقتِهم بأنفسِهم، وينتهي بارتفاعِ ضغطِ الدمِ، وتلفِ الدّماغِ، وإضعافِ الذاكرةِ، وخسارةِ التركيزِ، وعدمِ التّناسقِ في الحركاتِ، وترهّلِ جهازِ المناعةِ، وعدمِ قدرتِهِ على مقاومةِ الجراثيمِ والأمراضِ.  كما يؤدّي إلى خسارةِ المدمنِ فرصَ العملِ والحضورَ الاجتماعيِّ، فيكونُ مصيرُه الإقصاءَ الاجتماعي.

وإذْ يظنُّ المدمنُ أنَّهُ يتفلّتُ منَ المشاكلِ الاجتماعيّةِ، أوِ المهنيّةِ، أوِ العاطفيّةِ، أوِ السَيكولوجيّةِ، أوِ البدنيّةِ، تراهُ يتعاطى ليواجهَ كلَّ هذهِ المشكلاتِ، فتكونُ النتيجةُ أنْ يغدوَ ضحيّةَ مخدّراتٍ استفحلَتْ بِهِ، وهدّمَتْ مستقبلَهُ، وشلَّتْ حركتَهُ، وألغَتْ طموحَهُ، وجعلَتْهُ فريسةَ اللّهوِ والعبثِ، والاستمرارِ في الاستعمالِ، رغبةً في المعالجةِ إلى أنْ تصبحَ، عنوةً عنْه، واقعاً مريراً. ورغمَ معرفتِه في كثيرٍ منَ الأحيانِ أنَّه يقتلُ حياتَه، ويؤثّرُ في عملِ القلبِ والرّئتينِ وسائرِ القِوى، ما يسبّبُ سرطانَ الرّئةِ، ونشافَ العينينِ والأنفِ والضّعفَ في شبكةِ العينِ، والخمولَ والارتجافَ والخللَ والقلقَ والتّشوّشَ الذّهنيَّ، والكآبةَ والحزنَ وسرعةَ الانفعالِ والغضبِ، وعدمَ وثوقِه بأحدٍ، وتشنُّجَ الجسمِ وارتفاعَ حرارتِه، وإصابته أحياناً بالشّللِ والاضطراباتِ النفسيّةِ، لكنَّه يعجزُ عنْ مواجهةِ مشاكلِهِ الاجتماعيّةِ، والنفسيّةِ، والفيزيولوجيّةِ، والبيئيّةِ.

 وهذا التعاطي المستمرُّ والمتكرّرُ يجعلُ المدمنَ متلاشياً، ضعيفاً، هزيلاً، نتيجةَ حالةِ التخديرِ في مركزِ التنفّسِ في الدّماغِ ما يخفّضُ الشّعورَ بالجوعِ والعطشِ، كما يصابُ بالدّوخةِ وبأمراضٍ نتيجةَ سوءِ التّغذيةِ. وينجمُ عنْ ذلِكَ هدرُ طاقاتِ شبابِنا وشابّاتِنا الجسديّةِ، فتصفرُّ وجوهُهم، وتقلُّ حركتُهم، وتفترُ همَمهم، ويصعبُ عليهم الكلامُ حيثُ تتفاقمُ عنْ طريقِ الاستعمالِ المتكرّرِ للمخدّراتِ على أنواعِها، ولا سيَّما لدى حاجةِ المدمنِ إلى جرعةٍ جديدةٍ، فتراهُ يمرُّ بعوارضَ خطيرةٍ قدْ يُضطرُّ معها إلى السلبِ، والنهبِ، والقتلِ، والدّعارةِ، ليحصلَ على المالِ الكافي لشراءِ المخدّراتِ. وأحياناً يتناولُ المدمنُ جرعاتٍ عاليةً تكونُ خطيرةً جداً على حياتِه لإصابتِه بنزيفٍ حادٍ، أو بغيبوبةٍ قاتلةٍ. كما يتناولُ جرعاتٍ متكرّرة ليستمرَّ شعورُ الغبطةِ والنشوةِ لديْهِ، لأنَّ مفعولَ الجرعةِ يدومُ ساعتينِ تقريباً وبعدَ ذلِكَ يشعرُ المدمنُ بالخوفِ والوهمِ والخمولِ. وهذهِ الجرعاتُ المتتاليةُ تبعثُ حالةَ هلوسةٍ وهذيانٍ، وداءَ الصَّرعِ. وكلَّما ازدادَتِ الجرعاتُ ازدادَتْ حالةُ المدمنِ سوءاً قدْ يوصلُهُ إلى الجنونِ، أوِ الإصابةِ بالفالجِ، نتيجةَ عدمِ انتظامِ ضرباتِ القلبِ.  

لتعاطي المخدّراتِ نتائجُ وخيمةٌ في غايةِ الخطورةِ على الفردِ والمجتمعِ على السواءِ، لأنَّ الشبابَ ثروةٌ وثورةٌ، وبذلِكَ تتبدّدُ الثّرواتُ، وينهارُ الاقتصاد، ونغدو أمامَ شبابٍ خنّعٍ يفقدونَ الاهتمامَ بالعملِ والعلمِ والأكلِ، فلا يعرفونَ ما يريدونَ ولا يصلحونَ للأخذِ بزمامِ الأمورِ، فيتصرّفونَ بعنفٍ ومبالغةٍ في القسوةِ ويصابونَ بحالاتٍ مفاجئةٍ منَ الذّعرِ والهلعِ، وأحياناً ينتهي بهمِ المطافُ إلى الانتحارِ، لأنَّهم منقادونَ لرغائبِهم وأهوائِهم، ويجرُّهم الإدمانُ إلى المستنقعاتِ الآسنةِ فتراهُم يسرقونَ وينهبونَ أموالَ غيرِهم لشراءِ المخدّراتِ القاتلةِ، فينجرفونَ إلى التهلكةِ وتشويهِ جيلٍ قادمٍ لأنَّ المرأةَ الحاملَ، إنْ كانَتْ مدمنةً على المخدّراتِ، تؤثّرُ على جنينِها سلباً فيولدُ مشوَّهاً، عقلياً، وجسدياً؛ إضافةً إلى السّحقِ لقدراتِهم، وكفاءاتِهم، وحضورِهم، وإنتاجِهم الأدبيِّ والعلميِّ، والتحصيلِ  الاجتماعيِّ والثقافيِّ. 

للإدمانِ أسبابٌ، منْها:

- الحروبُ، وما تولّدُه منْ نكباتٍ وويلاتٍ، وتشرّدٍ وجوعٍ، وفقرٍ ومآسٍ.           
- الوضعُ الاجتماعيُّ، وتفكّكُ الأسرِ وانهيارُ النّسيجِ العائليِّ، وغيابُ رقابةِ الأهلِ والمسؤولينَ التربويّينَ والمربّينَ.
- البحثُ عنِ اللّذةِ والنّشوةِ، والبحث عنِ الغنى الفاحشِ السّريعِ منْ خلالِ العملِ معَ مافياتٍ وعصاباتٍ تستغلُّ الشّبابَ وتجرُّهم إلى تدميرِ شخصيّتِهم ومستقبلِهم.
- حبُّ الاستطلاعِ والفضولِ، والرّغبةِ في التجريبِ. (العتبةُ نصفُ الدّربِ. ودائماً في كلِّ مرّةٍ لدينا أوّلُ مرّةٍ).
- معاشرةُ رفقاءِ السّوءِ الّذين يمرّرونَ صفقاتٍ تجاريّةٍ، أوِ اجتماعيّةٍ، يدفعُ شبابنا وشاباتِنا نتيجتَها طلباً للمالِ والتّسليةِ في الحياةِ، فتنهارُ أحلامُهم لحظةَ يتعاطونَ المخدّراتِ، ولحظةَ إدمانِهم على الشمِّ ما يقضي على أنسجةِ الأنفِ، أو تناولِها منَ الفمِ، أو وضعِها حقناً في الدّمِ، ما يكون سبباً رئيساً لانتقالِ فيروسِ الآيدزِ إذا كانَتِ الحقنةُ مستعملةً لشخصٍ يحملُ فيروسَ مرضِ فقدانِ المناعةِ المكتسبةِ.  
- انهيارُ القيمِ، ونقصُ المثلِ العليا التي يُفترَضُ أنْ نحذوَ حذوَها، ونقتديَ بِها. 
- الفراغُ الرّوحيُّ نتيجةَ الابتعادِ عنِ المواعظِ الرّوحيّةِ الّتي تقرّبُ الإنسانَ إلى ربّه، وذاتِه المتعطّشةِ إلى السكينةِ والدعةِ. 
- المجتمعُ المتسامحُ يساهمُ في التّفلّتِ الأخلاقيِّ الذي نراهُ اليومَ، وعندها المواطنَ لا يخافُ رقابةً ولا وصايةً، وتكون القيَمُ في ضياعٍ. 

 عسى أنْ تعملَ الدّولُ والأممُ، ومنظّمةُ الصّحّةِ العالميّةُ، والهيئاتُ الفاعلةُ اجتماعياً، وسياسيّاً، وتربوياً، واقتصادياً، وإعلاميّاً، على توعيةِ المراهقينَ منْ مضارِ المخدّراتِ وفتكِها في المجتمعاتِ وشرذمتِها. 

متى يستفيقُ المسؤولونَ منْ سباتِهم فيطبّقوا القوانينَ، وينظّموا أمورَ الدّولةِ ونظامَها، لأنَّ النّظامَ ملحُ الأرضِ. متى يأخذون بأيدي أبنائِنا وبناتِنا إلى مصّاف الأبطالِ القادرينَ على إثباثِ حضورِهم، وعدمِ جرِّهم إلى التَعاطي والإدمانِ؟ 
متى ننهي هذهِ المشكلة الخطيرة قبلَ أنْ نندمَ، و"لاتَ ساعةَ مندمٍ".