Advertise here

الخصوصيات الجزائرية الكبيرة

13 آذار 2019 18:10:00 - آخر تحديث: 24 أيلول 2020 14:49:45

تميّزت الجزائر بمجموعة من الخصائص في السياسة وفي الجغرافيا وفي التاريخ، وهي تملك جاذبية لناظريها من الخارج، سواء أكانوا أصدقاء أو أعداء. فهي أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة، وتملك موقعاً جغرافياً محورياً بين مجموعة من الدول المحيطة، ويفصلها البحر الأبيض المتوسط عن الدول الأوروبية الكبرى، إيطاليا وفرنسا وأسبانيا، وكانت عبر التاريخ عرضة للغزوات الخارجية، ولكن شعبها من أكثر الشعوب المُحبة للاستقلال.

في العام 1504 طلب الزعيم الجزائري الداي خير الدين من العثمانيين ضمّ الجزائر إلى أمبراطوريتهم لمواجهة الأسبان الذين كانوا يستبدّون بالبلاد، فكان له ما أراد، ومن خلال الجزائر تمدّد نفوذ العثمانيين إلى المغرب وليبيا وتونس، لكن المرض السياسي والعسكري الذي أصاب الأتراك فيما بعد، سهَّل على الأوروبيين إعادة استعمار الجزائر. وكانت الغزوة الفرنسية الكبرى في العام 1830 مقدمةً لإعلان الجزائر جزءاً من السيادة الفرنسية، وتحوّلت بلاد القسطنطينة – كما كان يُطلق عليها أيام الرومان الذين اتّخذوا من مدينة قسطنطينة الساحلية عاصمة لهم – إلى مساحة لتمدّد الفرنسيين، ففرضوا لغتهم على السكان، واستغلوا الثروات - لا سيما الزراعية - لأن للجزائر خصوصية واضحة من حيث قدرتها على إنتاج أفضل أنواع الثمور والعنب والحمضيات، وفيما بعد استخرجوا النفط والغاز.

واندلاع ثورة التحرير في العام 1954 لطرد الفرنسيين كان بمثابة المفاجأة للعالم ولفرنسا التي استخفَّت بقدرات الشعب الجزائري، وعناده في الدفاع عن قيمه العربية والأمازيغية والإسلامية – كما يُحددها الدستور الحالي – وانتصرت ثورة المليون ونصف المليون شهيد، وفرضت على المُستعمرين الانسحاب البائس في العام 1962.

وقد أدهشني شخصياً ما شاهدته خلال مشاركتي محاضراً في ندوة عن فلسطين، بمناسبة عيد الثورة في أول نوفمبر 2018 في العاصمة الجزائر؛ حيث الحماسة عند الشباب الجزائري لفلسطين وللعروبة تجاوزت كل الحدود، وفاقت الاندفاعة نحو الفكرة العربية في الجزائر الاندافة للفكرة في المشرق العربي، حيث أصاب العصبيةَ القومية العربية في هذا المشرق تراجعٌ كبير.

ومن الخصوصيات الجزائرية الجديرة بالذكر، حالة الاستيعاب الدموية التي ضبطت الانفلاش الواسع وغير المحسوب لبعض القوى المتطرفة في العام 1992، بعد تعديل الدستور الذي أجاز التعددية الحزبية. ويمكن القول إن الإرباك الذي أصاب حزب جبهة التحرير الحاكم في ذلك الوقت، وأخطاءه ساهم في توفير ظروف ملائمة لاندفاعة التطرف "الإسلامي" الذي لا يُشبه الجزائر بشيء، وقد لعب الرئيس عبد العزيز بوتفليقه دوراً مركزياً في إعادة الجزائر إلى واحة السلام، بعد اضطراباتٍ كادت أن تُغيّر واجهة البلاد، وتقضي على ما تبقّى من إنجازات للثورة.

تحديد موعد الإنتخابات الرئاسية في 19 أبريل القادم، فرض أجواء محمومة في البلاد، لأن "الإسطبلشمن" الحاكم المحيط بالرئيس بوتفليقة الذي يتولى المنصب منذ عشرين عاماً، يرى أن الفرصة غير متاحة للاتفاق على مرشح بديل عنه، من جراء بعض الخصوصيات التي تتحكَّم بتركيبة الحكم، وترابط هذه الخصوصية مع حسابات شخصية وجهوية، وتتداخل مع هذه الخصوصية الحسابات العربية والأمازيغية (الرئيس بوتفليقة عربي من أصول أمازيغية مغربية)، كما تبرز صعوبات تتعلق بتركيبة حزب جبهة التحرير الذي ينتمي إليه الرئيس، والذي يبدو أنه غير جاهز لتصعيد طبقة قادة جُدد، تضمن استمراره على رأس السلطة، لذلك اتخذ الحزب قراراً بإعادة ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية جديدة، رغم تجاوزه الـ 82 عاماً، ورغم وضعه الصحي الصعب الذي يفرض عليه عدم القدرة على التحرُّك إلا بواسطة الكرسي المتنقِّل.

في المقابل؛ فإن الشارع الجزائري الذي كان وفيّاً لحزب جبهة التحرير، لا يماشي الحزب في قراره، لأن الخصوصية الأُخرى للجزائر، والتي تتمثّل بكون 60% من الشعب الجزائري الذي تجاوز عدده 43 مليوناً، من فئة الشباب، وهؤلاء يصعب عليهم استيعاب التمسُّك بترشيح الحزب لبوتفليقة، بينما البلاد تزخر بالقيادات المؤهلة. وقد تعاطف عدد كبير من النواب والمسؤولين الذين ينتمون إلى حزب جبهة التحرير مع هذه المشاعر الشعبية، وأعلنوا انسحابهم من صفوف الحزب، وكان القيادي الشاب، والمرشح الرئاسي عبد العزيز بلعيد انسحب سابقاً من الحزب وأسّس جبهة المستقبل التي تنتمي إلى يسار الوسط.

التظاهرات المليونية التي خرجت في الجزائر اعتراضاً على ترشيح بوتفليقه، ودعوة حزب جبهة التحرير القوى الأُخرى إلى الحوار، وإعلان رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح "أن الجيش والشعب لديهما رؤية واحدة للمستقبل" فرضت عودة الرئيس بوتفليقه من مستشفى جنيف إلى قاعدة عسكرية جزائرية، وإعلان التراجع عن الترشُّح للإنتخابات الرئاسية، ولكن في الوقت ذاته قرّر تأجيل موعد الإنتخابات.

وبين العزوف عن الترشيح، وتأجيل الإنتخابات، الذي فرض تمديداً مُقنَّعاً للولاية الرئاسية، هل تشهد الجزائر حدثاً فيه خصوصية جزائرية جديدة؟