المعضلة الكبرى تكمن في الشعب

24 كانون الثاني 2021 15:43:57

تكثر أحاديث الصالونات حول قدرة الشعب اللبناني على الصمود أمام التحديات، ويكثر الكلام حول تلاقي اللبنانيين في بلاد الاغتراب حيث لا تفرّق بينهم انتماءاتهم الدينية والحزبية، وتكثر التحاليل حول ضرورة ترك الشعب يعيش بسلام من دون تدخّل زعمائه، وعند ذلك يظهر شعب لبنان بعظمته وروعته.

هذا الكلام الإنشائي أثبت عقمه نتيجة الواقع الذي طغى على لبنان طيلة حقبات مختلفة ومتنوّعة، إذ ليس صحيحاً أن السياسيّين والقادة هم الذين يفرّقون بين أطياف الشعب اللبناني، بل بالعكس تماماً، إذ أن تاريخ لبنان أثبت أن الشعب اللبناني لم يتوحّد يوماً على مطالب محقة تطال حياته المعيشية والاقتصادية، وذلك نتيجة التفاوت في انتماءاته السياسية والدينية. وفي كل مرة تصدر أصوات حول تغيير الطبقة السياسية الموجودة في لبنان يتناسى فيها هؤلاء المطالبون بالتغيير أن هذه الطبقة هي استمرار بشكلٍ أو بآخر لسابقاتها، ولو لم تجد جماهير تسير وراءها وتصفّق لها لما قدرت على الاستمرار.

إن هذا الشعب الذي يتقوقع حول عصبيّاته الغرائزية عند كل استحقاق لم، ولن، يستطيع تغيير النظام.

إن هذا الشعب الذي يحترم قوانين وأنظمة الدول التي يزورها ويعمل فيها، بينما يتجاوز القوانين ولا يحترمها في وطنه لم ولن يستطيع بناء دولة. إنّ هذا الشعب الذي يلجأ إلى الواسطة، ويعتمد الاستزلام في طريقة حياته، لم ولن يستطيع الخروج من بيئته الحاضنة له سياسياً، ولن يستطيع اختيار مَن يمثّله أفضل تمثيل في البرلمان. إنّ هذا الشعب الذي يعتمد الرشوة وإعطاء الإكراميات لإنجاز معاملاته لم ولن يستطيع تحسين إدارات الدولة وجعل الكفاءة هي المعيار في اختيار الموظفين.

 إن هذا الشعب الذي ينتمي إلى مذهبه ودينه، وليس إلى وطنه، سيبقى أسيراً لمرجعيّاته التي تتناحر على حساب وحدة الوطن، وهيبة الدولة، وتطور مؤسّساته.

كثيرون هم الذين راهنوا، ويراهنون، على قيام ثورات وانتفاضات شعبيّة، وهذا يحدث طبعاً لدى شعوب الدول التي تدرك تماماً مفهوم النضال، ومعنى التضحيات. 

أمّا في لبنان، ورغم الصرخات المحقّة التي أطلقتها حناجر المواطنين في تحركات تشرين 2019، إلّا أنها لم تستمر، وسرعان ما تحوّلت تلك المظاهرات إلى ساحات شدٍ وتدخلٍ من هنا وهناك، وكل جهةٍ تحاول سحب البساط نحوها وصولاً إلى الاشتباكات التي حصلت في ساحتَي رياض الصلح والشهداء مع القوى الأمنية، والتي أفرغت ما يسمّى بالثورة من مضمونها.

إضافة لذلك، فما يسمى بالمجتمع المدني لم يستطِع أن يتوحّد لا في الانتخابات النيابية حول لوائح موحّدة، ولا حتى في رفع مطالب موحّدة في الانتفاضة الشعبية. وهذا أكبر دليل على عقم التفكير لدى السواد الأعظم من الشعب اللبناني. إذ أن الاخفاقات الحاصلة ليس سببها الطبقة السياسية، بل الذهنية السائدة لدى الشعب اللبناني الذي لا يحسن قراءة التاريخ، وأخذ العبَر، ولا التطلّع نحو المستقبل بذهنيةٍ جديدة، حتى أن رفع شعار "كلن يعني كلن" هو شعار خاطىء. فتحميل المسؤوليات ليس بالتساوي بين الشركاء، بل يتم وفق نسبية حصة كل طرف. هكذا تدار الشركات المنتجة، وهكذا تدار الأوطان. ولم يكن وضع جميع الأطراف في سلةٍ واحدة إلّا للهروب إلى الأمام، ولكي يحتمي كل طرف بالجهة التي يتظلّل بعباءتها.
 إنّ المسؤوليات تقاس بمن تولى المسؤولية الرسمية بشكلٍ مباشر، وليس بالذي له أدنى حصة بالمشاركة.

كفى رفع شعارات فضفاضة حول أهمية ومستوى الشعب اللبناني في مواجهة الصعوبات، وكيف يخرج بعنفوان من بين الركام. إن هذا الشعب بحاجة إلى ثقافة متجدّدة لكيفية بناء الأوطان، وكيفية الانتماء للوطن، وعلى الشعب اللبناني أن يعيد قراءة التاريخ وأخذ العِبَر لوضع الأسس في كيفية معالجة الواقع المرير، والميؤوس منه، من أجل النهوض نحو مستقبل أفضل.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".