Advertise here

عودوا بالذاكرة قليلاً

24 كانون الثاني 2021 14:20:24

نحن لا نفقد القادة. نحن نحيا بذكراهم. 

تكثر اليوم أبواق الكره والحقد في وقتٍ لا نحتاج فيه سوى للمزيد من الإنسانية والمحبة. نعيش بذكرى ونعمل بوصية، وغيرنا  يهاجمنا بثقافةٍ لا تلتقي سوى بدرب الجهل. عودوا بالتاريخ، علّكم تدركون رمزية المختارة وعلاقتها مع الآخر ، تلك العلاقة التي قدّسها الحق وحماها الانفتاح. 

يُقال إنّ الجبل ملجأٌ غير آمن لإخواننا المسيحيين، ويزعمون أنّ المختارة مقرٌ لموحّدين متعصبين شاؤوا أن يُستبدوا ونجحوا. عودوا معي إلى الوراء، إلى الحقيقة. في المختارة يا هذا، بدل الكنيسة توجد اثنتان، وبدل الجرس يدق جرسان!! 

فكنيسة سيّدة الدر  خير دليلٍ على المحبة التي تقطن قلوب أهل الجبل، وتمشي مع نهج الكمال الذي لطالما سعينا لمواكبته في أيامنا هذه.

 هذه الكنيسة بُنيَت على أرضٍ قدّمها الموحّدون الدروز. فسنة 1820 قدّم الشيخ  بشير قاسم جنبلاط أرضاً يملكها لبناء هذه الكنيسة. وكانت الغاية من أجل مساعدة الموارنة، والأهم من أجل تعزيز العلاقة بين الدروز والمسيحيين الذين كانوا مجموعةً من مشايخ عائلة الخازن  يرافقهم خوري يقصدون المختارة، ويقدّسون في قلب القصر، ذلك لان عائلة جنبلاط كانت تخصّص غرفةً في القصر عُرفت ب "الكابيلا" ليقدّسوا فيها.  

هذه الكنيسة اليوم أصبح عمرها مئتي سنة، شاهدةٌ على العلاقة المسيحية - الدرزية، وتدفع بنا إلى التذكير بأنّ لبنان ليس ببلدٍ فقط، بل إنّه رسالة للعالم أجمع. إنّ الاختلافات الدينية ما هي بشيء أمام الإنسانية، والحضارة، وتقبُّل الآخر. 

كلّما تحكّم بكم الكره وسيطر عليكم الحقد، عودوا بالذاكرة قليلاً. عودوا إلى أننا، وفي طليعة كل شيء، نحترم الآخر ونتصرّف بأصلنا وتاريخنا.

 كيف لا ومعلّمنا كمال جنبلاط، هذا الاستثناء الذي تخطّى حدود الأنا وعبَر الطوائف برؤيته ونهجه. 

كمال جنبلاط الذي لاقاه الناس في فكره الإصلاحي من الشمال إلى الجنوب، والذي تعامل معهم بصفةٍ إنسانية غير آبهٍ لخلفيةٍ دينية أو عرقية، فكان الإنسان جلّ اهتماماته. واليوم، تكمل المختارة المسيرة، وتجسّد لبناننا الكبير ، فتلاقي الجميع بالفرح والحزن. باليُسر والعسر. بالوجع والصحة.
 
ختاماً، إنّ مَن يعمل لإتمام وصيةٍ لا تقف بوجهه كراهية، فماذا إن كانت تلك الوصيّة معمّدة بدم الكمال؟

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".