Advertise here

كيف ستتعامل إدارة بايدن مع "تركة" ترامب الثقيلة؟

23 كانون الثاني 2021 08:31:41

دخل جو بايدن، الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة الأميركية، مكتبه البيضاوي مثقلاً بتركة سلفه دونالد ترامب، وفي ذهنه العمل على مسحها من ذاكرة الأميركيين الذين دعاهم في خطابه عقب أداء القسم إلى "الوحدة"، مستدركاً عمق الانقسام الذي ضرب الدولة الأكثر تأثيراً في السياسات العالمية، حيث مزّقت سياسات ترامب الأميركيين وهزّت العالم. وقال بايدن، البالغ من العمر (78 سنة)، في حفل التنصيب وأداء اليمين الدستورية: "إنني سأؤَدي بأمانة واجبات رئيس الولايات المتحدة، وإنني سأبذل قصارى جهدي للحفاظ على دستور الولايات المتحدة، وحمايته، والدفاع عنه".

حفل التنصيب المبهر، والذي حاول أن يقول منظّموه إنه حفل تنصيب رئيس العالم الجديد، وأن الشعب الأميركي الذي انتخب رئيس الولايات المتحدة الأميركية انتخب بذلك رئيس العالم الجديد.

 المشهدية التي تجاوزت التقليد، في الشكل والمضمون، على أدراج مبنى الكابيتول، كانت تقول إن أميركا ما زالت هي القطب الأول للعالم دون منازع، وأرادت أن تمحو من ذاكرة العالم صورة المحتشدين الذين غزوا المبنى ذاته قبل أسبوعين من "يوم الولايات المتحدة، ويوم الديموقراطية، ويوم الأمل". تلك المشهدية التي اختلط فيها الدِّين بالسياسة والأخلاق، إلى درجة بدا فيها بايدن في خطابه وكأنّه "المخلّص"، وفي ذلك مؤشرٌ واضح لعمق الأزمة، وثقل الأعباء والمهمة.

يدرك الرئيس بايدن، كما خبراء السياسة الأميركية، أن أميركا التي عرفناها منذ الحرب العالمية الثانية حتى بداية القرن الواحد والعشرين بدأت تتغيّر تغيّراً بنيوياً من داخلها بفعل التغيير الديموغرافي، والتغيير السياسي، والتغيير الاقتصادي، والتغيير في التحديات، وبالتالي لم تعد أميركا بعد ترامب هي ذاتها التي عرفناها وعرفها بايدن قبل أربع سنوات، وعلى مدى 40 عاماً من عمله في مؤسّساتها، وقد أشار في خطابه الذي تجاوز العشرين دقيقة إلى النزاعات السياسية الحزبية بين الديمقراطيين والجمهوريين، وبين سكان المدينة وسكان الأرياف، داعياً الأميركيين إلى تجاوزها. فالانقسام الداخلي الذي كاد بعد غزوة مبنى الكابيتول أن يُدخل الولايات المتحدة في حربٍ أهلية، ليس بالانقسام العامودي والأفقي فحسب، إنما هو داخل الأُسَر والخلايا الاجتماعية والعرقيات المتنوعة، التي تجمعها مظلة المؤسّسة الأميركية.

أميركا، التي يقودها "جوزف روبينيت بايدن جونيور"، تغيّرت وبالتالي فإن السياسات الخارجية للدولة العظمى الأولى في العالم سوف تتأثّر تأثيراً عميقاً بالمعادلات الجديدة التي بدأت تختمر داخل المجتمع الأميركي، وسوف تعكس نفسها على التحديات والسياسات الخارجية، ومنها السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. فالمنطقة سوف تتأثر تأثراً عميقاً بالمتغيّرات التي تجري في أميركا. وعلينا ملاحظة أن طاقم الخبراء الرئيسيين في المؤسّسة الأميركية والذي تصدّر المشهد في إدارة بايدن، يمتلك خبرة أعلى في المناورة، ويمتلك خبرةً في طلاء مواقفه بألوانٍ زاهية، على الرغم من أن تلك المواقف سوف تخدم نفس أهداف السياسة الترامبية، وهذا يظهر في العلاقة مع المسألة الفلسطينية، وفي كيفية إدارة الصراع في المنطقة، وكيفية معاينة الحالات التي تؤثّر على السياسات الأميركية الإقليمية.

قراءة المتغيّر في السياسة الخارجية الأميركية يجب أن تتم على قاعدة ما علينا القيام به كلبنانيين وسوريين وفلسطينيين وعرب، لمواجهة التحديات التي نعيشها على مستوى الإقليم، وليس على قاعدة من يدخل ومن يخرج من البيت الأبيض. فأميركا تعرف ماذا تريد، وبالتالي يجب أن تكون لدينا رؤية خاصة لما نريد كعرب، كي لا ندفع دائماً ثمن الخطأ الأميركي، أو النجاح الأميركي. لذلك لا يمكن مقاربة السياسة الخارجية الأميركية على أساس النوايا، خاصةً وأن الإدارة الجديدة في الخارجية الأميركية، وبحكم خبرتها تمتلك القدرة على المناورة، ولديها الخبرة في توظيف التناقضات، والاستثمار فيها أكثر من إدارة ترامب. هذه الإدارة ستقول ما تريده أميركا بقفازٍ مخملي وبأسلوب دبلوماسي، لذلك من يريد الاطمئنان للموقف الأميركي والتصريحات الجديدة سيكون مخطئاً، فالصراع أكبر من أي تصريح، وعلينا أن ندرك أننا في منطقة متفجرة، وأي حادثٍ أمني أو عسكري قادرٍ على تغيير كل السياسات، وهذا حصل في زمن أوباما قبل الربيع العربي وبعده، حيث انقلبت كامل السياسات الدولية والإقليمية جراء انفجار الحالة الشعبية العربية.

ما يمكن استخلاصه من مواقف الرئيس جو بايدن وفريق إدارته، أن عنوان صفقة القرن قد طوي، لكن مفاعيله لم تطوى. وما قاله وزير الخارجية أمام الكونغرس يؤكد ذلك: "لن نتراجع عن ضمّ القدس. لن نتراجع عن نقل السفارة الأميركية". هناك إعادة تمسّك بعنوان حل الدولتين المطروح على الطاولة دون إسقاط ما حقّقته صفقة القرن، فما تنجزه إسرائيل مع أي إدارة أميركية غير قابل للانتهاء مع أي إدارة أخرى. لكن الحقوق الفلسطينية المستندة على القانون الدولي، والمستندة على الأعراف والسياسات الدولية المتبعة، ليست ذات أهمية بالنسبة للإدارة الأميركية، وذلك يرتبط بما يقوم به الفلسطينيّون، وبما لديهم من قدرة على إصلاح وإعادة تنظيم واقعهم، وإعادة إطلاق العملية السياسية الديمقراطية الداخلية، وتجديد الحالة الفلسطينية ووضعها في حالة تأهّب للدفاع عن الحقوق، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني.

التصريح الأخير لوزير الخارجية الأميركي الجديد، أنتوني بلينكن، يعطي مؤشراً إيجابياً بمكان ما، لكنه غير كافٍ وغير مقنع في مكان آخر. والجديد في هذا السياق ما أشار إليه عن مشاركة دول الخليج العربي وإسرائيل في المفاوضات الجديدة مع إيران حول الملف النووي، وهذا يتطلب تحديد موقف ورؤية المنظومة العربية، أو ما تبقى من النظام السياسي الرسمي العربي، وكيف ستتعامل مع هذا الاقتراح: ماذا يريد، وما هي قدراتها على فرض مصالحها كجزءٍ من المصالح الإقليمية في ظل الهيمنة الأميركية على المنطقة وعلى العالم، خاصة وأن من يدير الطاقم الممسك بالملف الإيراني، هو نفس الطاقم الذي لعب الدور الرئيسي في صياغة الاتفاق النووي معها، وهو يدرك تماماً الأخطاء التي وقع بها، حيث قال ويليَم بيرنز، بصفته الجديدة كمدير لمكتب المخابرات المركزية، بأنهم لن يكرّروا أخطاء الرئيس أوباما، وبالتالي فإنهم سوف يستثمرون في العقوبات ويستثمرون في الوقت، وهم مرتاحين لأوضاعهم، وليسوا كالنظام الإيراني المأزوم، ومؤشرات ذلك قد لا تكون في المئة يوم الأولى من حكم الرئيس الجديد.

فوزي ابوذياب