Advertise here

عن شعبٍ يغرق بلا "عوّامات نجاة"!

17 كانون الأول 2018 00:22:00 - آخر تحديث: 17 كانون الأول 2018 17:44:59

لا يخشى الشعبُ اللبنانيُّ البللَ وهو الغارقُ حتى أخمص قدميه في بحرٍ من الهموم والضائقات المعيشيّة واليوميات المشلّعة. "مخنوقون"... هو المصطلحُ التوصيفيُّ الدقيقُ الذي يصحّ منحُه بكثيرٍ من الغصّات والإيلام إلى شعبٍ ما أركعته حربٌ أهليّة وما دمّرته حروبُ أزقة، ولا قتلته ضرباتٌ عدوّة. ذاك الشعبُ الذي لا يركع يواجه اليومَ تحدّياتٍ من نوع آخر. تلك التحدّيات لا تنتهلُ من الماضي ذكرياتٍ بشعةً بقدر ما تستحضرُ ضائقةً معيشيّة تخنقه ولا من يمنحه عوّامات نجاة أو حياة.

لم تغِب يومًا جريدة "الأنباء" مذ كانت ورقيّة حتى استحالت إلكترونيّة عن هذا الواقع المعيشي. لم تتجاهله يومًا كما يفعل كثيرون من قادة هذا الوطن. لم تصمّ أذنيها عن آلام الناس ومعاناتهم مع بدَهيّات الحياة اللائقة بشعبٍ صدّر الحرفَ وبعاصمةٍ نشرت الشرائع.

اليوم، لا يشبه اللبنانيون أنفسَهم. حتى إن همومَهم التي تُثقِل مناكبهم تطّرد يومًا بعد آخر طارقةً أبواب "مسلّمات" موجودة في الدول الأخرى لا بل في بعض بلدان العالم النامي وعلى رأسها الكهرباء. بعيدًا من هذا الملفّ الذي تبدو قصّتُه طويلة وربما "سرمدية"، سؤالٌ بسيطٌ بكلماته كبيرٌ بمعانيه يفرض نفسه: كيف يعيش اللبناني؟

"تمسَحنا" هي العبارة التي تتردّد على مسامعك كلما سألتَ لبنانيًّا من الطبقة الفقيرة أو المتوسطة الآيلة إلى الزوال. "تمسحَ" الشعبُ اللبناني ومع ذلك لا ينفكّ يرفع صوتَه في وجه ناهبيه والمهملين في حقّه. وكأني بها سُبحة لا تنتهي، ما إن تُفرَط حبة منها حتى يكرّ عقدها:

أنروي حكايتنا مع التقنين الذي يفتح شهيّة أصحاب المولّدات ويتحكّم بأعناق اللبنانيين ويضع عدّادًا ليومياتهم، فيما الحسيب والرقيب فاعلٌ في مكان وغافٍ في آخر؟

أنروي حكايتَنا مع الإسكان الذي قطع القروض عن الشباب اللبناني وقطع معها الأنفاس ووضع أبناء المستقبل أمام الأمر الواقع المرير وعنوانه: لا بيت أحلام قبل الـ2019 وإن أردتَ الحصول على قرضٍ فبشروطٍ تعجيزيّة وفوائد تكسر الظهر؟

أنروي حكايتَنا مع التلوّث الذي يتسلّل إلى جوّنا من الدواخين ومياهنا من النفايات التي تجتاح بحونا وأنهارنا وليس الليطاني سوى خير دليل؟

أنروي حكايتَنا مع قوتِنا المسمَّم بدءًا من الدجاج واللحم واللفت وحتى الخضار التي يلوذ إليها كثيرون ليجدوا أنها تُروى بمياه آسنة؟

أنروي حكايتَنا مع المستشفيات التي تتحكّم بحياة اللبنانيين وكم من مواطنٍ يخسر حياته على أبوابها لأن الجشع يعشش في أسرّتها وفي كواليسها والضحيّة بالمعنى الحرفي للكلمة هو الفقير؟

أنروي حكايتَنا مع الرواتب التي ما إن مُنِحت على أساس سلسلة رتبٍ ورواتب حتى نبتت المشاكل من "تاسع أرض" مهدّدة بتطيير "الزودات" طالما أنها تكسر الخزينة رغم أن كثيرًا من مصادر تمويلها أتى من جيبة الشعب اللبناني؟

أنروي حكايتَنا مع وقودنا الذي ينخفض تارةً ليعود وينهش من جيوب اللبنانيين طورًا؟ مع أمراضنا التي لا تنفكّ تفتك بأجسادنا الهزيلة؟ مع فسادنا الذي ينخر فينا كسوسٍ لا دواء له؟ مع شوارعنا المعتمة التي تخطف يوميًّا من أرواح شبابنا ما حلا لها؟ مع بعض تجّارنا المستغلّين الفاتحين "على حسابن" والذين يتحكمّون بأسعار السلع والمنتجات على هواهم؟ مع بعض الصيادلة والأطباء ممن لا يمتلكون ذرّة ضمير والذين يأتون بالدواء إلى مرضاهم بسعر خيالي؟

ماذا نروي بعد؟ حتى ولو اندرج ما قيل وما سيُقال في الآتيات من الأيام في خانة "النقّ"، لن تتوانى جريدة "الأنباء" عن رفع الصوت، عن نصر أهل الحقّ، عن التسلل بأدبٍ إلى يومياتٍ يخنقها الوجع، ويتحكّم الفساد بعنقها. لن تتوانى عن أن تكون حرفيًّا من الناس ولهم، لأن "الأنباء" ما كانت يومًا ولن تكون يومًا إلا "أنباء الناس".