Advertise here

اليوم الطويل

20 كانون الثاني 2021 15:23:00 - آخر تحديث: 20 كانون الثاني 2021 19:01:22

العشرون من كانون الثاني من العام الواحد والعشرين وألفين ليس كباقي الأيام، لا في هذا العام ولا قبله في سائر الأعوام، وهو يومٌ يحفل بأخطر حدث يمرّ به العالم.

يومٌ يخرج فيه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، من البيت الأبيض وخلفه غبار الأرض كلها التي أثارها طيلة الأعوام الأربعة من عهده، كما حدث في الربيع العربي.

وهو يومٌ يدخل فيه الرئيس الجديد، جو بايدن البيت الأبيض ليعيد الولايات المتحدة إلى شأنها في التوازن بين دول العالم.

يومٌ طويل يحمل عبء النزوات، وطيش الإرادات،  ووطأة التحديات. يومٌ جعل العالم يحبس أنفاسه، ويضرع بيديه أن يمرّ هذا اليوم على خير.

تعبت أميركا، وتعب معها العالم من التصريحات الاستفزازية، ومن السياسات الشعبوية، ومن هواجس التفرقة العنصرية.

أتعب الرئيس دونالد ترامب أميركا قبل أن يتعب معها العالم من سياسة الصفقات، إلى سياسة  المزايدات، إلى سياسة المراهنات، إلى سياسة السمسرات، إلى سياسة البيع والشراء. انقلب ترامب بين ليلة وضحاها على أميركا نفسها، وعلى تاريخها الطويل في الحرية والديمقراطية، وجعل من البيت الأبيض مكتباً تجارياً لبيع العقارات، وعقد الصفقات.

 أقام الحواجز النفسية بين العالم وبين أميركا. وأقام حواجز العزل، كما دفع لبناء جدار العزل. أراد من العالم الغنائم. فرّط بالإرث الوطني، وما ارعوى لحقوق الشعوب، ولا لكرامة الشعوب، ولا لغيظ الشعوب. 

خرج ترامب بذراعه الحديدي على الناس، يخبط في الأرض التي أنبتته، وفي الشعب الذي انتخبه، وفي البلدان والدول التي والته، فلم يحسب حساباً لأحد، لا في السياسة ولا في الآداب.

ما عرفت أميركا نفسها رئيساً في تاريخها ينشئ لنفسه ميليشيا، يسلّحها ويدرّبها، ويجعلها في مواجهات مع مؤسّسة الجيش وسائر المؤسّسات.

 ما عرفت أميركا في تاريخها كلّه رئيساً ينقلب على نتائج الانتخابات، ويخرج غاضباً على الناس وعلى الدولة، ينزل إلى الشارع، ويلوّح بالعصيان.

يومٌ طويل هو هذا اليوم في البيت الأبيض: خروج ترامب، وتنصيب بايدن، وإعادة الأمل في الحرية والديمقراطية إلى الشعوب التي عانت من الاستبداد  والطغيان.

 تنصيب بايدن، ليس تنصيبَ رئيسٍ  جديد للولايات المتحدة الأميركية وحسب، ولكنه بنيان جديد يرتفع في البيت الأبيض الذي يشرّع الأبواب أمام الناس من كل الأجناس، بلا لون ولا عرق، ولا طائفة، ولا دين، وسوف يعيد لأميركا وجهها في استقبال جميع المهاجرين.

تنصيب بايدن، يمحو وجهاً اغبرَّ لدخانٍ كثيفٍ غصّت به قاعات وردهات البيت الأبيض طيلة أربع سنوات مضت وكأنها أربعة قرون.

تنصيب بايدن أحوج لكل آلة عسكرية، وأحوج لكل جندي، وأحوج لكل عاقل، وأحوج لكل إعلامي وكاتب يقف معه للدفاع عن حرية الناخبين، وعن العملية الديمقراطية، في تنصيب الرئيس.

 يومٌ طويل، هو يوم تنصيب بايدن، يُمنع فيه الاعتداء الداخلي، والإرهاب الداخلي. ويُمنع فيه استشراء الفوضى وتقويض دعائم الإدارة والعصيان على إرادة الناخبين.

 وما شعرت الولايات المتحدة الأميركية يوما بأنها ستحتاج إلى كل هذه العسكرة في رحيل رئيس، وفي تنصيب رئيس.
 في هذا اليوم الأميركي الطويل، تحتاج الولايات المتحدة، إلى كل العالم ليقف معها في يوم التنصيب. 

آمالاً عريضة قتلها ترامب في نفوس شعوب العالم خلال ولايته الآفلة، وهي تنتظر إحياءها بعد أن يمر يوم التنصيب على خير.

 فكيف يكون الرئيس المرتجى جو بايدن، بعد هذا "اليوم الطويل".


*أستاذ في الجامعة اللبنانية

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".