كان كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي في غاية الوضوح. يقولها دوماً ويكررها، الحفاظ على الدستور وتطبيقه لا تعديله ولا تغييره. هو أول من رفع شعار الحفاظ على الدستور وعلى المناصفة، معارضاً كل الطروحات التي يتقدم بها البعض لفتح الباب أمام التعديلات والتغييرات ما قد يطيح بكل الثوابت إما في لحظة سياسية، أو في مرحلة يظن البعض ان التعديل والتغيير يصب في صالحه الخاص. كلام البطريرك بطريرك الكلام، لأن الظروف غير مناسبة لإدخال لبنان واللبنانيين على وقع الإنهيار في البحث عن تعديل النظام فيما العالم كله في مرحلة تحولات كبيرة، ولا بد من حماية الرأس والكيان بدلاً من تشريع الباب أمام مغامرات جامحة تؤدي إلى تدمير ما تبقى.
ليس البطريرك وحده من يتقدم بهذا الطرح، هناك قوى أخرى من مختلف الطوائف، وبحسب ما تشير المعلومات فإن شخصيات مسيحية نيابية وغير نيابية، حزبية ومستقلة، وتيارات متعددة تسعى إلى تقديم طروحات سياسية متعارضة مع ما يطرحه ويمارسه رئيس الجمهورية، وذلك خوفاً على المكتسبات وخوفاً على منطق المؤسسات التي يتم تدميرها أو يسعى عون وباسيل من خلفه إلى شخصنتها أو مذهبتها وتطييفها.
هذه الشخصيات المسيحية بحسب المعلومات تعقد إجتماعات وخلوات، وتعد العدّة للخروج بوثيقة سياسية تؤكد الثبات على الدستور وحمايته وتثبيت المناصفة وعدم طرح الذهاب إلى التقسيم أو الفيدرالية أو المثالثة، وهناك بحث بين هذه المجموعات للإعلان عن هذه الوثيقة في شهر آذار المقبل من خلال عقد مؤتمر جامع.
ولا بد أيضاً من التوقف عند الدعوة التي وجهها البطريرك الراعي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون للمبادرة تجاه رئيس الحكومة المكلف والبحث عن حلول أو عن اتفاق لتشكيل الحكومة. وبمجرد أن يطلق الراعي مثل هذه الدعوة، فهي تفترض ضمناً أن يبادر عون إلى إصلاح الموقف الذي أطلقه تجاه الرئيس سعد الحريري من خلال الفيديو الذي تم تسريبه، ومعالجة إساءات التسريب والإعتذار عن المساس بكرامة رئيس حكومة له موقعه وتمثيله وصفته الوطنية، لأنه لا يمكن العمل والسعي في سبيل تشكيل الحكومة والتكاتف بهدف إنقاذ البلاد من الإنهيار، بدون شجاعة الإقدام على الإعتذار، وبدون تصحيح هذا الخطأ الذي ارتكب، وله مفاعيل أولها أنه لا يمكن للحريري الذهاب للقاء عون ما لم يبادر الأخير إلى رد اعتباره، قبل الدخول في تفاصيل السياسة والمواقع.