Advertise here

وحدها استراتيجيّات التنمية الاقتصادية والاجتماعية كفيلةٌ بالقضاء على الفقر في لبنان

17 كانون الثاني 2021 19:31:10

يوجد في لبنان مليون وخمسة وعشرون ألف أسرة، أكثر من نصفها 55%، أي 564 ألف أسرة يعيشون تحت خط الفقر، و23 % منها أي 236 ألف أسرة تعيش تحت خط الفقر المدقع، وذلك بحسب البنك الدولي. يمكن لهذه النسبة أن ترتفع إلى أكثر من 75%، أي 769 ألف أسرة فور وقف الدعم بسعر 1,515ل.ل للدولار الواحد عن السلع المدعومة من قِبل المصرف المركزي وهي المشتقات النفطية، والأدوات والمعدات الطبيّة والأدوية، والطحين، بالإضافة إلى 230 سلعة من المواد الغذائية المدعومة بسعر 3,900 ل.ل للدولار الواحد.

أمّا مصادر الدعم فهي متعددة على الشكل التالي:

•    الدعم من المصرف المركزي على الكهرباء، والمشتقات النفطية، والأدوية، والطحين، وكلفته تفوق الخمسة مليارات دولار لكافة المقيمين في لبنان

•    الدعم من خزينة الدولة لحوالي 250 ألف أسرة بقيمة 400 ألف ل. ل للأسرة شهرياً (بدأ هذا البرنامج منذ أيار 2020 وما زال مستمراً)

•    برنامج مساعدات العائلات الأكثر فقراً التي تشرف عليه وزارة الشؤون الاجتماعية، ويغطي 43 ألف أسرة لبنانية وهو مموّل من قِبل بعض الصناديق والدول الأوروبية

•    المساعدات من قبل ال USAID، وغيرها من المنظمات والتي تأتي بشكلٍ غير دائم

•    اتفاقية قرض "شبكة الأمان الاجتماعي" مع البنك الدولي، والذي وافق عليه مجلس أمناء البنك بتاريخ 12 كانون الثاني 2021 بقيمة 246 مليون دولار، والذي سيصبح قيد التنفيذ خلال ثلاثة أشهر، وسيطال حوالي 170 ألف أسرة لبنانية

•    دعم العائلات المنكوبة بعد انفجار مرفأ بيروت بتاريخ 4 اب 2020 بقيمة 253 مليون يورو من المجتمع الدولي

•    الدعم من قبل الأحزاب والقوى السياسية، ومن المجتمع الأهلي والمدني 

•    الدعم من جهات خارجية الذي يطال اللّاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين

يصل إجمالي الإنفاق الاجتماعي في لبنان، وفقاً للبنك الدولي، إلى 21 % من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بشكلٍ أساسي في مجالات الصحة، والتعليم، والحماية الاجتماعية، بينما متوسط الإنفاق الاجتماعي في الدول العربية 13.8% وفي الدول المتقدمة 27.6% من الناتج المحلي الإجمالي. 

إن حجم الإنفاق الاجتماعي في لبنان قياساً مع الدول الأخرى جيّد، ولكنه يحتاج إلى تحسين أداء الإنفاق الاجتماعي، وتحسين نوعية مؤشّرات التعليم والصحة، وهذا لا يمكن أن يتم إلّا من خلال استراتيجية موحّدة للحماية الاجتماعية.

تتكون الحماية الاجتماعية من السياسات والبرامج الرامية إلى الحد من الفقر، وتهدف إلى زيادة كفاءة أسواق العمل، وخفض تعرّض الناس للمخاطر الاقتصادية والاجتماعية، مثل حالات البطالة، والإقصاء، والمرض، والعجز، والشيخوخة بحيث تكون الحماية الاجتماعية أداة للعدالة.

يقول رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد، بأنه "لا توجد سياسة اجتماعية في ظل غياب السياسة الاقتصادية". كما وتبيّن التجارب من مختلف أنحاء العالم أن الدول التي نجحت في الحد من تراجع الدخل، وبناء التماسك الاجتماعي، هي التي دمجت تدابير الحماية الاجتماعية مع استراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأوسع نطاقاً. أما الدول التي اعتمدت تدخلاتٍ موجّهة كما هو الحال في لبنان، فلم تحقق الفعالية نفسها في الحد من الفقر.
من أكثر الأسئلة التي تتردد في سياق الحماية الاجتماعية هي كيفية تأمين مصادر التمويل، لا سيّما في فترات الركود الاقتصادي (الوضع الحالي) وقد لا تكون الإجابة بديهية. لكن التجارب الدولية بيّنت الدور الأساسي الذي يمكن أن تؤديه السياسات الاجتماعية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بتفعيل الدورة الاقتصادية حتى لو كانت الموارد الوطنية محدودة. وقد اقترحت منظمة العمل الدولية مجموعة من الخيارات لتمويل سياسات الحماية الاجتماعية، وتحقيق العدالة الاجتماعية منها:

•    إعادة ترتيب أولويات النفقات العامة

•    زيادة الإيرادات الضريبية (تحسين الجباية ووقف التهرّب)

•    توسيع نطاق اشتراكات الضمان الاجتماعي

•    الاقتراض، أو إعادة هيكلة الديون القائمة

•    الحد من التدفقات المالية غير المشروعة (الاقتصاد الموازي غير الرسمي والشرعي)

 لا بد من الإشارة إلى أن السياسة الضريبية التصاعدية تساهم في الحد من التفاوت بين المداخيل، بينما الضريبة التنازلية (التضخم، وفقدان القدرة الشرائية للعملة الوطنية) تفاقِم التفاوت بين المداخيل، وتضرب الطبقة الوسطى وتأتي على حساب الفقراء.

تطبّق بعض الحكومات ضرائب لصالح الفقراء، مثل ضريبة الدخل التصاعدية، أو ضريبة على الثروة توخياً للعدالة من خلال إعادة التوزيع. وقد أثبت نظام الضريبة التصاعدية المعتمد، في النرويج مثلاً، أن تخفيض الضرائب على ذوي الدخل المنخفض والمتوسط يفعّل مشاركتهم في الاقتصاد، ويضمن توزيعاً للدخل أكثر إنصافاً. وتشكّل الضرائب نسبة تتراوح بين 39 % و45% من الناتج المحلي الإجمالي في النرويج، وبين 41% و51 % في الدانمارك بينما تشكّل في لبنان 19% فقط.

ختاماً، وبالرغم من تعدّد مصادر تمويل برامج الدعم في لبنان لأصحاب الدخل المحدود، لا تزال نسب الفقر مرتفعة، والسبب هو غياب سياسة متكاملة اجتماعية - اقتصادية مستدامة. الحل هو في اعتماد سياسة ضريبية عادلة، مثل سياسة الضريبة التصاعدية على الصحن الموحّد من الدخل وتخفيض الضرائب غير المباشرة إلى الحد الأدنى، لأن من شأن ذلك تعزيز العدالة والحد من التفاوت بين المداخيل. من الضروري أيضاً تحسين إنتاجية الإنفاق على القطاع العام، واعتماد سياسة صحية موحدة من خلال البطاقة الصحية الموحّدة، وتحسين جودة التعليم الرسمي بأقسامه العام والجامعي والمهني. المطلوب تكاملٌ بين السياسة النقدية والمالية، وتحفيز الاستثمار لخلق المزيد من فرص العمل إضافةً إلى تطوير التشريعات لإقرار قوانين تحسّن البيئة الإنتاجية، وتحصّل الأمان الاجتماعي، مثل قوانين تعويض البطالة وتأمين الإسكان وغيرها.
 
إنّ الحلول العلمية للحد من نسب الفقر وزيادة العدالة الاجتماعية موجودة، وتطبيقها ممكن، لكن ذلك لا يمكن أن يتم من دون زيادة حوكمة المؤسّسات الرسمية لتصبح أكثر شفافية وإنتاجية وللحد من الزبائنية والفساد. المطلوب سلطة تعيد الثقة إلى المواطن والمستثمر، وتعمل على إقرار إصلاحات جذرية، وعلى وضع وتطبيق سياساتٍ اقتصادية - اجتماعية مستدامة.

* عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".