Advertise here

يوم سقط رجل الاستقلال

17 كانون الثاني 2021 14:51:00 - آخر تحديث: 17 كانون الثاني 2021 14:52:55

قال الرئيس بشارة الخوري عند وصوله إلى لبنان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قادماً من مصر: "وصلت بنا الباخرة إلى بيروت في 21 نيسان، ثاني أيام عيد الفصح. وعندما مررتُ بساحة البرج، في طريقي إلى فرن الشباك، كان المطران اغناطيوس مبارك قد انتهى من إقامة القدّاس القنصلي التقليدي بحضور ممثّلي السلطة الفرنسية في كاتدرائية مارجرجس، والشباب مجتمعون أمامها يطلقون الرصاص من مسدّساتهم ويهزجون (فرنسا أم الدنيا عموم، اعتزوا يا لبنانيّة)".

الرئيس بشارة الخوري من مواليد رشميّا – قضاء عاليه، عام 1890. نال إجازةً في الحقوق من فرنسا، وتدرّج في مهنة المحاماة لدى الرئيس إميل إده، وانتُخب عضواً في مجلس الشيوخ، كما عُيّن وزيراً في عدة حكومات وتولى رئاسة الحكومة، وانتُخب نائباً لأربع دورات، ليُنتخب بعد ذلك رئيساً للجمهورية في 21 أيلول من العام 1943، وليتِم التجديد له لولايةٍ رئاسية جديدة، وذلك في 27 أيار من العام 1948. وقد استمرّت ولايته الثانية لأربع سنوات.

تميّزت ولاية الرئيس الخوري الثانية بوجود شقيقه النائب سليم الخوري، والذي كان له نفوذٌ واسعٌ داخل القصر الجمهوري في القنطاري، وشمل ذلك تعيين موظفين وعزلهم كما إصدار مراسيم، وتحوّل منزله في فرن الشباك إلى دولةٍ داخل الدولة، حتى أصبح يُطلق على ولاية الرئيس الخوري الثانية: "عهد السلطان سليم".

تمكّن سليم الخوري من استصدار المراسيم التي تدرّ الأموال، ومنها مرسومٌ منحه شخصياً امتياز التنقيب عن المعادن في عوكر.

ونتيجة نفوذه الواسع وتدخلاته، وقع الخلاف بين الرئيس رياض الصلح وبشارة الخوري. وقيل إنّه كان وراء الحملة النيابية المطالِبة برحيل الحكومة، وتكليف عبد الحميد كرامي تشكيل حكومةٍ جديدة.

وقامت تظاهرات في بيروت عام 1951، نتيجة ارتفاع أسعار الخبز، وردّد المتظاهرون هتافات، "بدنا ناكل جوعانين"، كما قامت تظاهرة طلابية لطلاب الحقوق احتجاجاً على ارتفاع أسعار الكتب، وأضرب موظفو وزارتَي المالية والاقتصاد للمطالبة برفع الأجور.

تشكّلت معارضةٌ واسعة لسياسة بشارة الخوري ضمّت كمال جنبلاط، وأنور الخطيب، وبيار إده، وكميل شمعون، وغسان تويني. وركّزت المعارضة على العمل لإطاحة بشارة الخوري، وانضمّ إليها لاحقاً عادل عسيران، وريمون إده، وحميد فرنجية.

عقد مجلس النواب جلسةً بتاريخ 9 أيلول من العام 1952، وشنّ خلالها رئيس الحكومة، سامي الصلح هجوماً حاداً على بشارة الخوري، وعلى الأثر اعتبر بشارة الخوري الحكومة مستقيلة.

عمّ الإضراب بيروت وسائر المناطق اللبنانية، وذلك يومي 15 و 16 أيلول من العام 1952، وكان لصحافة بيروت دوراً بارزاً وفاعلاً في مساندة المعارضة. وتقدّم عددٌ من النواب بطلبٍ لاستقالة الرئيس بشارة الخوري، كما قام وفدٌ من قادة المعارضة بزيارة قائد الجبش اللواء فؤاد شهاب لإبلاغه بقرار المعارضة في استمرار الإضراب السلمي حتى استقالة بشارة الخوري.

قدّم الرئيس صائب سلام استقالة حكومته، وذلك في 17 أيلول من العام 1952، ولم يقبل أي شخصٍ آخر بتشكيل حكومة جديدة، وعلى الأثر قدّم الرئيس بشارة الخوري استقالته، وتشكّلت حكومة ثلاثية برئاسة قائد الجيش، اللواء فؤاد شهاب.
باستقالة الرئيس بشارة الخوري انتهى عهد أحد رجالات الاستقلال، والذي رغم نضاله الوطني إلّا أن سوء إدارته، وتصرفات وسطوة أخيه سليم، أوصلته إلى الاستقالة تحت ضغط المطالب الشعبية وضغط المعارضة، ليتمّ بعدها انتخاب كميل شمعون رئيساً للجمهورية بتاريخ 23 أيلول من العام 1952. 
 

(*) كاتب ومحلل سياسي

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".