Advertise here

لا لبنان جديد خارج حقيقة المرفأ

17 كانون الثاني 2021 09:13:58

تزداد الأدّلة الظرفية الكاشفة أنّ ما حصل في مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، جزء من قصة أكبر وأكثر تعقيداً. منذ اللحظات الأولى التي ذهب فيها النقاش نحو كيفية حدوث ما حدث، وإن كان ناتجاً عن غارة أو صاروخ او عبوة، بدا أنّ هناك رغبة في طمس السؤال الأساس. من أتي بالمواد المتفجّرة أصلاً، ومن حمى تخزينها طوال هذا الوقت؟

كان من البديهي أن تذهب أسئلة الناس نحو "ماذا حصل". فالفاجعة التي أودت بحياة أكثر من مئتي شخص وجرح أكثر من 6000 أكبر من القدرة على الاستيعاب. ما ليس بديهياً أن لا يعرف اللبنانيون عبر مؤسساتهم الإجابات الشافية على سؤال بديهي: لماذا جاءت النيترات أمونيوم إلى مرفأ بيروت أصلاً؟

تعرفون حكاية سفينة الموت، وتوقفها القسري بسبب خلل تقني ثمّ بقائها ثم تنزيل المواد. كلّ ذلك بدا حكاية مرتجلة، هدفها أن تغطي أكثر ممّا تكشف. أن تغطّي على الحكاية الحقيقية التي أتت بمقدمات الزلزال إلى لبنان.

آخر الأدّلة الظرفية ما كشفه تقرير لمحطة "الجديد" أعدّه الزميل فراس حاطوم، وفيه تعقّب عناوين وحكايات وتصريحات تفيد في المحصلة النهائية أنّ رجلي أعمال سوريين مقربين من نظام الأسد يقفان خلف شحنة نترات الأمونيوم، هما مدلل خوري وجورج حسواني.

خوري وحسواني موضوعان على لوائح العقوبات الأميركية لارتباطهما بتنظيم صفقات بيع النفط بين "داعش" ونظام بشار الأسد، وبإتمام صفقات بالنيابة عن الأسد من بينها شراء نيترات الأمونيوم لصالحه، بغية صنع البراميل المتفجرة التي استخدمها النظام في القمع الوحشي للثورة الشعبية السورية.

سبق تقرير تلفزيون "الجديد" تلميحات سياسية لعدد من المسؤولين اللبنانيين تصب في السياق نفسه للتحقيق، وتلمّح إلى فرضية أن تكون نيترات الأمونيوم موجّهة إلى النظام السوري، أبرزها ما قاله رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، في حديث تلفزيوني: "هذه المواد أُتِيَ بها إلى لبنان لكي تُستخدم من الطائرات والمروحيات السورية لأنّه في ذلك الوقت في 2014 كانت معركة حمص لا تزال محتدمة وكانت طريق بيروت – الشام أسهل للوصول إلى سوريا". واتهّم النظام السوري "بإحضار هذه المواد إلى بيروت".

وزاد من الأدّلة الظرفية ما قاله رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب من أنّ تقرير مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (أف بي آي) قدّر كمية نيترات الأمونيوم التي انفجرت داخل مرفأ بيروت في 4 آب بـ500 طن، قبل أن يعود ويوضح مكتبه الإعلامي أنّ دياب استند في كلامه إلى "معطيات غير رسمية" منسوبة إلى "أف بي آي"، وأنّ رئيس الحكومة "لم يتلقّ تقريراً رسمياً في هذا الخصوص".

غريب أن يكون ثمّة تناقضاً بهذا الحجم بين تصريحين لرئيس حكومة، وهو ما يعزّز القناعة بأنّ التراجع ربما جاء نتيجة ضغوط ما، أكثر من كونه ناتجاً عن تعديل في الوقائع الفعلية.

ما يزيد من إلحاح السؤال عمن أتى بنيترات الأمونيوم إلى بيروت ومن خزّنها وكيف تمّ التصرف بأجزاء منها أنّ لبنان تحوّل باكراً إلى أرض إسناد للنظام السوري في حربه على شعبه، بقيادة حزب الله، وعلى رؤوس الإشهاد. وليس مستبعداً أن يكون الهدف من النيترات هو بعض من هذا الإسناد الموثّق والمعلن والمستمر حتّى اليوم.

الغريب أنّ خبراً مثل هذا الخبر لم يأخذ بعد ما يستحقّه من ردود فعل سياسية. فلا مواقف لقادة الصف الأول، ممن يعنيهم مضمون ما تمّ بثّه. ولا متابعة إعلامية تليق بكشف بهذا الحجم حتى ولو من باب المساجلة أو التدقيق. من التفسيرات البديهية أن يكون ضغط كورونا بثقله الهائل قد وضع الناس أمام أولويات أكثر إلحاحاً، تتعلّق بالحفاظ على حياة الأحياء بدل البحث في أسباب موت من توفوا.

الغريب أكثر، أن لا يكون بين أيدي اللبنانيين معلومات ولو أولوية، تعزز أو تضعف الروايات المتناقلة.

لنبدأ بسؤال بسيط: أليس بين كل الأجهزة التي حققّت من هو قادر على الحسم بحجم النيترات المنفجرة؟ لنبدأ من هنا ولنبحث بعدها فيما إذا كان قد استخدم جزءاً من مواد الموت هذه.. وبعدها نسأل أين استخدمت ومن استخدمها.؟ومن سهّل الحصول عليها ونقلها؟ وأسئلة بسيطة، للبنانيين الحق في الحصول على إجابات عليها.. لكنّها تبدو في لحظة ما وكأنّها سجال في جنس الملائكة..

من يُخفي الحقيقة عن اللبنانيين؟ ولماذا؟ مَن يحمي مَن ولماذا؟

الإجابات على انفجار المرفأ، مع مرور الوقت تزداد إلحاحاً. بل أغامر بالقول إنّه لا قيامة للبنان جديد خارج الوصول الى حقيقة ما حصل في مرفأ بيروت.. عساها تكون حقيقة أكثر شمولاً من حقيقة من قتل رفيق الحريري، وعسى حينها لا ينتصر حقّ القاتل بالشراكة على حقّ المقتول بالحياة والعدل والكرامة.