رحم الله لبنان

12 كانون الثاني 2021 19:31:46

وكأن الوباء المَرَضي المستشري، والذي يزداد انتشاراً بشكلٍ واسع على كافة الأراضي اللبنانية، لا يكفي مأساة للشعب اللبناني ليلاقيه الوباء السياسي المتمترس خلف مواقف متحجرة لا تأخذ في الحسبان الوضع الاقتصادي المنهار، ولا الوضع المالي المأزوم، ولا حتى الوضع الصحي المتردي يوماً بعد يوم، فتزداد المواقف تشدداً بعدم تقديم التنازلات لتشكيل حكومة طال انتظارها بالرغم من أن الآمال المعقودة عليها في حال تشكيلها لا تعطي بصيص أمل في حل المشاكل العالقة.

بعد المواقف المتشدّدة التي أطلقها على التوالي أمين عام حزب الله ورئيس التيار العوني حول الوضع الداخلي، يتبيّن لنا أن المشكلة ليست آنيّة بل هي مستقبلية، وتحديداً مع استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية المقرّرة بعد سنتين. ويبدو أن التناغم حاصل بين كلا الطرفين لجهة تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، تماماً كما حصل بعد انتهاء ولاية كل من الرئيسين إميل لحود وميشال سليمان، وحتى العقوبات الأميركية على جبران باسيل، لن تثنيه عن شغفه بالترشّح لرئاسة الجمهورية مهما كلّف الثمن، تماماً كما حصل مع عمّه، وما زال لبنان شعباً ومؤسّسات يدفع الثمن الباهظ لوصول ميشال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى.

المعركة إذن هي معركة مجلس وزراء مجتمعاً لأنه ستُناط إليه السلطة عند شغور موقع الرئاسة الأولى. ومَن يمسك بمجلس الوزراء سيمسك بالقرارت التي ستصدر عن السلطة الحاكمة إبان الشغور الرئاسي.

قد يظن البعض أن الطريق أصبحت أسهل للثنائي الحاكم، حزب الله – التيار العوني، مع انتخاب الديمقراطي جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. لكن للأسف قد فات هؤلاء البعض أن الرئيس الأميركي لا يغيّر استراتيجية سياسة الإدارة الأميركية، بل بعض أشكال التعاطي المباشر، وما رسمه هنري كيسنجر في مطلع السبعينيات بدأت تباشيره تطل علينا من خلال الشرق الأوسط الجديد بعد خمسة عقود بالرغم من تعاقب العديد من رؤساء الجمهورية في الولايات المتحدة الأميركية، ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء.

إن كلام السيّد نصرالله يصب في خانة الارتهان المباشر، والخيار الواضح والصريح، إلى جانب إيران بغضّ النظر عن الواقع اللبناني وحيثياته وعلاقاته الخارجية التاريخية، حتى أن ارتباطه المالي بإيران جعله لا يعطي شأناً للأزمة المالية في لبنان، والحصار المالي والاقتصادي المفروض على لبنان نتيجة تعاطي حزب الله إقليمياً. وأمّا النائب جبران باسيل فخياره سدة الرئاسة بغض النظر عما يحدث في لبنان والعالم، وبضعة صبية يهيّصون له عند خروجه من مقر التيار بعد مؤتمره الصحافي، ويعتبره تأييداً شعبياً له للوصول إلى الرئاسة الأولى.

إن تلاقي مصالح حزب الله الذي يبحث عن غطاء مسيحي له في لبنان، ومصالح جبران باسيل ليصل إلى سدة الرئاسة الأولى بدعم حزب الله، وتلاقي المصالح هذه سيؤدي حتماً إلى صدور النعي المنطقي والواقعي لمستقبل لبنان، لأنهم بتعطيلهم للحياة السياسية في لبنان سيساهمون حتماً في انهياره الكامل ولا يستطيعان إطلاقاً القفز فوق رأي أكثر من نصف الشعب اللبناني الذي ضاق ذرعاً من سياسة التعطيل عند كل استحقاق، إضافة لرفضهم خيارات دمرت لبنان وما زالت تدمر كل أحلامهم بالعيش الكريم ومستقبلٍ واعد.

رحم الله لبنان الذي يتخبّط بين وباء مرضي ووباء سياسي، والشفاء بعيد المنال في ظل عقولٍ خاوية من أي انتماء وطني.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية