"بدنا نروح عالمدرسة بس ما فينا.. الناس معن مصاري.. بس نحن ما معنا، حقه مليون ونص اللابتوب"... بهذه العبارات عزى الطالب "سعيد"، في حلقة تلفزيونية، أسباب تخلّفه عن متابعة دروسه وتوجّهه نحو سوق العمل إلى القلّة التي يعانيها وأهله، فلخّص آلامه ليتعاطف الجميع مع التلميذ الصغير الذي لا يريد إلّا إكمال مسيرته التعليمية، كأصدقائه وزُملائه.
وسعيد ليس وحيدا، بل حاله كالعشرات أو المئات من التلاميذ الذين حُرموا من حق التعليم، بسبب الواقع الجديد الذي فرضه فيروس كورونا.
حق التعلّم هو أحد أهم حقوق الإنسان، التي أجمعت عليها مختلف مواثيق حقوق الإنسان، وفي ظل الصعوبات التعليمية في ظل كورونا فإن التعليم عن بُعد ضرورة ويجب أن يحظى بمواكبة رسمية للشرائح الاجتماعية غير الميسورة لأن الحرمان من هذا الحق يستتبع العديد من الإضطرابات النفسية.
وبحسب رئيسة قسم علم النفس العيادي في الجامعة اللبنانية البروفيسر ديزيري قزّي، فإن "الشعور بعدم القدرة، وعدم الإرتياح، والتمييز، وعدم الحصول على ما هو حق، هي جميعها أثار نفسية تتولد لدى التلاميذ الذين يعانون من هذه الحالة، وقد تنعكس شعورا سلبيا تجاه الوطن الذي يعتبرونه "مُقصّرا" تجاههم، ما سيدفعهم نحو التفكير بالهجرة وإتباع الأحلام التي تتحقق خارج حدود هذا الوطن".
أما وفي ما خص الإجراءات المطلوبة لمعالجة الأمور، فقد أشارت قزّي في إتصال مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية إلى أن "المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدولة التي من واجبها تأمين التجهيزات الإلكترونية للتلاميذ، كما ومن الضروري وجود مساعد إجتماعي مختص في علم النفس التربوي في كل مدرسة، ليتواصل مع التلاميذ ويحدد الإضطرابات التي يعانوها، من القلق إلى الشعور بالنقص وغيرها. كما من واجب الأهل تفادي التطرق إلى الأمور الضاغطة في حين وجود الأولاد، فالحديث عن الأزمة الإقتصادية والوبائية سيولّد حالة من الخوف".
وأشارت قزّي إلى أنه "وُجب على الأهل والأولاد التفكير بالمستقبل بطريقة إيجابية رغم الأزمات، والبحث عن طاقة امل، مع التحلّي بإرادة التغيير والإيمان به".
من جانبها، إعتبرت الموجّهة التربوية النفسية نوال طربيه في حديث مع "الأنباء" أن "الشعور بالنقص يصيب بشكل خاص التلاميذ الذين يبغون التعليم ولا يجدون إليه سبيلا، فيشعرون بعدم القدرة على إشباع الحاجات، ما يفرض ضرورة لمعالجة نفسية".
لكن طربيه لفتت إلى مفارقة مُستغربة، "إذ إن وزارة التربية عيّنت موجّهين إجتماعيين ونفسيين للطلاب السوريين الذين يتعلمون في المدارس الرسمية، لأنهم لاجئين هربوا من حرب، بينما تجاهلت الواقع الذي يعانيه التلاميذ اللبنانيون، فلم تُصدر أي قرار لمساواتهم بالسوريين، علما أنه من الضروري اليوم الإلتفات إلى هؤلاء التلاميذ، والسماع إلى هواجسهم ومخاوفهم".
وتوزايا، أشارت طربيه إلى وجوب "توجيه هؤلاء المعالجين النفسيين للمُدرّسين أيضا، لإعتماد أسلوب معيّن في التعامل مع التلاميذ، مراعاةً للواقع الحالي"، لافتةً إلى "قدرة المعالجين على تغيير طريقة التفكير والسلوك".
"المعالجة قد تكون على شكل السماع للتلاميذ لتبديد الشعور بالقلق، وعبر أنشطة ترفيهية تقوم بها إدارة المدرسة، وهي طريقة لجأت لها المدارس في إيطاليا، لكنه أمر مُكلف، كما تكمن في التعاون بين المدرسة والمعالج النفسي والأهل، للتخفيف من الضغوط التي يواجهها الأطفال، ومحاولة إستخراج القدرات الكامنة لديهم"، حسب طربيه.
وشدّدت على "ضرورة إهتمام وزارة التربية في هذا الشأن، وإصدار القرارات اللازمة لوضع معالجين نفسيين بتصرف كل مدرسة، كما يحصل في مختلف دول العالم".
بدوره، أشار نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودلف عبود في إتصال مع جريدة "الأنباء" الالكترونية إلى أن "عددا ليس بالقليل من التلاميذ والطلاب لم يستطع تأمين الأجهزة الإلكترونية اللازمة لمتابعة الدروس هذا العام، منهم من تخلّف عن تلقي علومه مُجبرا، ومنهم يعاني لكنه يحاول قدر الإمكان تأمين الحد الأدنى من التجهيزات المطلوبة تفاديا لخسارة عام دراسي".
"لكن مهمة هؤلاء صعبة أيضا"، يتابع عبّود، "إذ يلجأون إلى حضور الحصص الدراسية عبر الهاتف، الذي بدوره لا يؤّمن جميع المميزات الموجودة على الحواسيب، كما أن مساحة تطبيق الـMicrosoft Teams" " المُستخدمة في عملية التدريس عن بُعد كبيرة جدا، وبعض الهواتف قد لا تسمح بتنزيل التطبيق، ناهيك عن إحتمال وجود عدد من الأخوة في المنزل الواحد، وإستخدامهم الهاتف نفسه".
وفي الإطار نفسه، "يشاطر المدرسون الطلّاب في معاناتهم، فعدد منهم لم يستطع تأمين ما هو مطلوب لإتمام مهمته"، حسب ما قال عبود. أما لجهة المساعدات، فقد لفت إلى أن "القطاع الخاص لم يتلقَّ أي مساعدات في هذا الشأن، والتقديمات محصورة ببعض الإدارات التي إستطاعت تأمين الإلكترونيات المطلوبة للتلاميذ، كما وبعض المنظمات غير الحكومية (NGOs)، لكن هذه المساعدات لا تغطّي الحاجة الكاملة، وذلك في ظل غياب لأي من المساعدات المنظّمة المُنتظرة من قبل الجهة التي تقع عليها المسؤولية الأساسية، وزارة التربية".
وفي سياق مُتّصل، لفت عبود إلى أن "عملية التعليم عن بُعد ليست عملية مشرّعة قانونيا بعد، فمنح الشهادات وترفيع التلاميذ إلى الصفوف الأعلى في ظل غيابهم عن المدرسة يحتاج إلى تشريع قانون في المجلس النيابي".
وختم عبّود حديثه معتبرا أن "العام الدراسي لا يزال مشكلة تضاف إلى قائمة الأزمات التي يعاني منها اللبناني، ما ينعكس ضغطا ماديا ونفسيا على التلاميذ كما والمدرسين على حدٍ سواء، الذين يعاني بعضهم من عدم قبض المستحقات".