Advertise here

مصالحة العلا القطرية السعودية... ما لها وما عليها

09 كانون الثاني 2021 19:33:00 - آخر تحديث: 09 كانون الثاني 2021 19:34:01

لم تأتِ المصالحة القطرية مع دول التحالف العربي (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين)، ضمن سياقٍ طبيعي لتطوّر العلاقة الثنائية بين الدول، بل كانت أتت نتيجة سياق مسدود لما بلغته الأمور كما كانت عليه، وقد عملت الكويت على السعي لطي تلك المرحلة عبر قمة دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة العلا السعودية، وهو مسعى دفعت باتجاهه واشنطن لضمان تسهيل آليات العمل الأميركية في الشرق الأوسط، وتسهيل عمل مجموعة الاستثمارات الأميركية المتصاعدة في مواجهة إيران، والمتصاعدة أيضاً على خط التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل. وكما دفعت إدارة ترامب نحو انفجار هذا الصراع بين حلفائها قبل ثلاث سنوات تحت شعار "الدور القطري في تمويل الإرهاب"، فإن تلك الإدارة ذاتها، وهي التي تقف على أبواب الرحيل من البيت الأبيض، سارعت إلى دعم مصالحة الأخوة كضرورة لحل الأزمة اليمنية، ووقف الاستنزاف الأمني، والعسكري، والاستراتيجي، الذي يتيح لإيران إمكانية العبث بالممرات البحرية، وتهديد أمن البحر الأحمر الذي شهد عدة حركات استفزازية من قبل الحوثيين، كإطلاق الزوارق المتفجرة، وإعاقة حركة السفن التجارية، وتهديد الممرات النفطية.

 وقد عملت ادارة الرئيس ترامب وفريقه، وعلى رأسهم جاريد كوشنير، على فرض المصالحة الدوحة، دون أن يتحقق اي تغيير جوهري في القضايا الرئيسية التي سبّبت الخلاف، بل تم تأجيل البحث فيها كونها غير قابلة للحل الآن، كتلك المرتبطة بتركيا والإخوان المسلمين، مقابل إبراز أولوية إعادة تنسيق الجهود، وبناء منظومة سياسية – أمنية - عسكرية لمواجهة إيران، والمشاركة في الاستراتيجية الأميركية "الضغوط القصوى".

وتدرك الرياض أن إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن وفريقه هي أكثر عداءً لها، وأكثر ميلاً نحو قطر من إدارة ترامب المنتهية ولايته، وهذا ما يجعل المصالحة في خدمة إعادة ترتيب سياسات الرياض نحو استيعاب تلك التحولات. وبعيداً عن الحفاوة التي استقبل بها ولي العهد السعودي ضيفه القطري، فالطرفان يدركان مدى اضطرارهما للتصالح، وإعادة تدوير الأزمة، وصياغة العلاقات الداخلية الخليجية، وحسن إدارة الخلافات بينهما، بعيداً عن الصراعات التي شهدنا فصولها الإعلامية طيلة السنوات الثلاث الماضية.

هذه الملابسات مجتمعةً تقف خلف تلك المصالحة، أو إدارة الخلاف بطريقة تصالحية. ومن الواضح جيداً أن غياب ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس دولة الإمارات، الأمير محمد بن زايد، يشكّل موقفاً استباقياً لحفظ خط العودة في الخلاف مع قطر، فيما كان الموقف المصري شديد الوضوح بعدم الاعتراض على المصالحة دون التخلي عن التمسّك بالقضايا الجوهرية ذات العلاقة بالأمن القومي المصري، والتأكّد من وقف الدعم القطري للإخوان المسلمين. فإذا كانت الرياض قدّمت التنازل للأميركي لإعادة ترتيب العلاقة مع قطر وشكّلت الحاضنة للقمة، فإن القاهرة وأبو ظبي والبحرين لا تزال تشكّل قوة الضغط المستمر على الدوحة لضمان تراجعها في المرحلة المقبلة عن القضايا التي شكّلت سبب الخلاف. وهذه عملية قد تحتاج إلى المزيد من الوقت، بحيث يمكن التأثير على الدوحة من موقع المصالحة أكثر منه من موقع المقاطعة.

لا بد من التوقف أيضاً أمام الموقفَين التركي والإيراني، حيث رحّبت أنقرة بالمصالحة بعد أن كانت في موقع المغازِل للرياض، والمتودّد للقاهرة قبل انعقاد قمة العلا والإعلان عنها. وكان موقف القاهرة متصلباً في حل المشكلات السياسية مع تركيا، وأكّدت ثباته ورسوخه في مواجهته لدور تركيا الداعم للإخوان المسلمين، ما جعل تركيا في مكانٍ يمنعها من التعالي على موقف الرياض سواءً في العالم الاسلامي أو في الشرق الأوسط. لذلك فإن الاحتفاء التركي بالمصالحة له وظيفة برغماتية، مرتبطة بكيفية الاستثمار في هذه المصالحة، وجلب الاستثمارات الخليجية لإخراج تركيا من أزماتها الداخلية، والاقتصادية والسياسية. والموقف التركي تتعامل معه الرياض بمرونة مختلفة عن الإمارات ومصر، خاصة وأن تركيا لا تمتلك القدرة على التأثير على مصالح الأمن القومي السعودي الحساسة، (ومن هنا جاء) التصفيق التركي الحار للمصالحة القطرية – السعودية.

يختلف الموقف الإيراني عن التركي، حيث استثمرت طهران كثيراً في الخلاف القطري – الخليجي – المصري، وحسّنت موقعها مع عُمان وداخل الكويت، واستنفرت أوراقها، وهي الآن أمام خيارٍ من اثنين: إمّا رفض المصالحة والدفع بالدوحة نحو أحضان الرياض، أو تثمين المصالحة باعتبارها انتصاراً لمقاومة قطر وصمودها بوجه أخصامها العرب كما تدّعي طهران، وحيث قال وزير الخارجية إنّ "المشروع الإيراني هو الأكثر استجابةً لبناء خليجٍ متوازن ومستقرٍ وآمن"، وإنه يدعو قطر ودول الجوار للاستفادة من هذه المصالحة، وأن قطر لم تتراجع، وأن الصمود يؤدي إلى انتصار المشروع الإيراني لدول الخليج كافة". 

هذا الادّعاء المبالغ به جاء في لحظةٍ تشعر إيران فيها بمزيدٍ من العزلة والخطر، وأنها تخسر نافذةً فُتحت لها طيلة السنوات الثلاث الماضية، وتريد من هذا التوجّه أن تحد من الخسائر، وأن تحافظ على أي موطئ قدم للدوحة لاستثمار ذلك في البنية الخليجية. فالإيراني لا يترك أي نافذة تُدخل له رياح طريّة من قطر دون استثمارها لتحسين أوضاعه في المعادلة الإقليمية، لذلك ستلعب طهران دوراً سلبياً، وتسعى إلى إطالة أمد الصراع إلى حين تمكّنها من تحقيق مكاسب جديدة في الصراع الخليجي، وهذا ما تتنبّه له القيادة السعودية.

الثمن الأول الواضح الذي دفعته قطر للمصالحة مقابل الاحتضان السعودي، وتنازل الرياض عن مواقفها الأساسية، كان في اليمن حيث شهدنا التزام حزب الإصلاح (الإخواني) تطبيق مخرجات اتفاق الرياض، وتشكيل الحكومة الجديدة، وإنهاء الصراع بين حزبَي الإصلاح والانتقالي، وبناء الجبهة العسكرية، والسياسية، والأمنية من جديد في مواجهة الحوثيين، والتي باتت منجزةً تقريباً، وحقّقت تقدّماً عمّا كانت عليه. وهذا إنجازٌ مهمٌ بالنسبة للرياض، وثمرةٌ من ثمرات الصراع الذي تديره واشنطن وتستخدم فيه الدوحة، وغيرها من الدول، لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط.