Advertise here

الشعوبية الحديثة

07 كانون الثاني 2021 14:28:01

نشأت الحركة الشعوبية كقومية فارسية مناهضة للعرب في العصر الأموي، زمن الخلافة الإسلامية، وبرزت كحركة انقلابية مدمّرة في العصر العباسي حيث شكّلت على امتداد الخلافة مراكز قوى عملت على خلق الفتن والمكائد، وإثارة الفوضى بقصد الانقلاب على الخليفة وأعوانه من الحكام العرب، بعد أن دأبوا على تشويه سمعتهم الأخلاقية والدينية والاجتماعية عند الرعية، وبين صفوف القادة والعسكر، ما أدّى إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وبالتالي انهيار الخلافة التي سُمّيَت بالعصر الذهبي الإسلامي.

ولم تغب كثيراً تلك الحركة عن الواقع السياسي العربي الذي عادت إليه بحلةٍ جديدة: دولة لها كيانها العقائدي والسياسي، ونظرتها الاستراتيجية، وأجهزتها العسكرية والمخابراتية، وأحلامها التوسعية مستغلةً الواقع العربي المتشرذم، الغارق في صراعاته الداخلية في ظلّ غياب خريطة القرار العربي، بالإضافة إلى أنّها لعبت على ما يدغدغ المشاعر العربية والإسلامية بتبنّيها شعار تحرير فلسطين، والذي بقيَ شعاراً لكنه أنتج مفاعيله في تمكين هذه الحركة من الدخول والتغلغل في تنظيمات المقاومة القائمة بوجه العدو الصهيوني، والتي كانت في غالبيتها تعتنق الأفكار اليسارية البعيدة كل البُعد عن العقائد الدينية والمذهبية، لتعمل فيما بعد على احتكارها وتحويل مناطق وجودها إلى مناطق مغلقة دويلة قائمة بكل أجهزتها ضمن الدولة الشرعية، ولتتوسع شيئاً فشيئاً لتُطبق على قرار الدولة عبر السيطرة على أجهزتها التشريعية، والتنفيذية، والعسكرية.

من أولويات هذه الحركة قلب التاريخ عبر تصوير نفسها صاحبة دور البطولة، وأن الباقين جميعهم من المقاومين من المناضلين الوطنيين، والفلسطينيين، والسوريين، والمتطوعين، الذين أتوا من  جميع الدول العربية، والذين استُشهدوا بعد أن سطّروا الملاحم البطولية في قتالهم للعدو الصهيوني، هم لم يفعلوا شيئاً.

كما أنهم ينكرون أي دورٍ لأحزاب الحركة الوطنية، ولمنظمة التحرير الفلسطينية، ولفصائل المقاومة الشعبية الوطنية التي تشكلت في جميع المناطق اللبنانية إبّان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، والتي أجبرت المحتل على الانسحاب بفعل العمليات الفدائية التي قامت بها، من الجبل، إلى صيدا، إلى صور . لا بل أكثر من ذلك، ألم يكن التحرير هو نتيجة تراكم عدة أحداث، ولولا حصولها لما كان؟؟

ومن تلك الأحداث ما خاضه وليد جنبلاط من مواجهة شرسة لفتح طريق الشام بعد معركة بحمدون، وفتح طريق الجنوب بعد معارك الشوف وإقليم الخروب، ووصل الضاحية الجنوبية وبيروت بالجبل بعد استحداث طريق الكرامة، وملاقاته للرئيس نبيه بري في تحالفٍ أسقط اتفاق العار، 17 أيار .

ألم يكن اتفاق الطائف سبباً في توحيد الشعب اللبناني، والذي شكّل بجميع أطيافه بيئةً حاضنة للمقاومة؟؟
هذا هو التاريخ الحقيقي للمقاومة الوطنية اللبنانية العربية، وليس التاريخ المشوّه والمزوّر الذي تبثه الشعوبية الحديثة.

هذا هو التاريخ المشرّف للمناضلين المقاومين، وليس التاريخ المرتبط بالغايات الخارجية، والتي لا تقيم وزنا للكيان اللبناني بجميع مداميكه الحيوية، بل ربما تبحث عن إنشاء نظام جديد لدولة جديدة تاريخها يبدأ من لحظة استئثارهم بالقرار اللبناني لخدمة الدولة الإقليمية، مركز الشعوبية الحديثة.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".