Advertise here

كي يصبح رجل الدِّين مباركاً

07 كانون الثاني 2021 11:52:00 - آخر تحديث: 07 كانون الثاني 2021 12:45:15

ورد أن أعظم وصايا السيد المسيح (ع) عندما اقترب إليه أحد اليهود المتعصبين وأراد أن يحرجه أمام الجمهور وسأله، "يا معلم، أية وصية هي العظمى في الناموس؟ فقال، "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وقريبك كنفسك" (لوقا 10: 27)

أهمية هذه الوصية ارتكازها على محبة الإنسان لله، ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان. وفي السياق يقول الكتاب المقدس، "أيها الأحباء لنحبّ بعضنا بعضاً لأن المحبة هي من الله، وكل من يحبّ فقد وُلد من الله ويعرف الله، ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة".
  
 وإننا إذ نعيش زمن العجائب بلا معجزات، والانقلابات الكونية دون أفق، والمسارات المتعرّجة لمقوّمات الحياة الى المجهول، وقيم الانسانية والأخلاق نحو دركها، مع ما تُظهر الفوضى والفتن المتنقلة حياة الإنسان كأنها الأرخص على سطح الكوكب، تشي اطلالات بعض رجال الدين الاعلامية بابتعاد الإنسان عن وصايا الله، واللهث وراء المال والسلطة والجاه، من خلال بيع المواقف السياسية التي تتجاوز أحياناً سقوف كلام السياسيين أنفسهم إثارةً للعصبيات والعنصرية والمذهبية المقيتة البغيضة، عبر استعادة لغة الحروب التي طوى اللبنانيون آثارها دون رجعة، خصوصا بعد أهم الخطوات التي جرت لقرنين خليا كمصالحة الجبل، التي لن تتأثر بكلام المونسنيور كميل مبارك او غيره، بعمقها الهادف إلى إعادة تكريس لبنان الوطن والرسالة والكتاب والحريات، انطلاقاً من الجبل الذي خَبِرَ ميزة لبنان التنوع والعيش الواحد والمشترك والحفاظ على الإرث التاريخي وحتى الكنسي، وهو الذي دفع الأب عيد بو راشد قبل 3 أسابيع الى تقدير وليد جنبلاط بدرع تكريمي "لحفاظه على التراث المتصل بالكنيسة المارونية في المنطقة، وصون العلاقات الدرزية – المسيحية في الجبل"، وإشارته وهب العائلة الجنبلاطية اراضٍ لبناء ديري المخلص ومشموشي، ووادي جزين، وكنيسة السيدة في المختارة، وقبل كل ذلك إنشاء "كنيسة كابيلا" داخل القصر الجنبلاطي لممارسة المسيحيين صلواتهم الخ...  
  
 فإذا كانت السياسة تمشي مع الدين، والدين يمشي مع السياسة، على قاعدة ان السياسيين إذا انحرفوا عن الطريق، لا بد من رجال دين تقويمهم، وليس العكس في حالة المونسنيور مبارك الاخيرة، فهنا تكمن الحاجة الى رجال الدين اذا تكلموا سياسة فلأخذ العِبَر من الماضي الأليم، وتقديم مصلحة الوطن والسلام والانسان فيه، والأحوج الى خطاب ديني منفتح يتقبل الآخر واختلافاته ويتعايش معه بالحوار الجامع والبنّاء، منعا لاستغلالات سياسية تضع الدين في موقع ترويج الأفكار الهدّامة، وبعدا عن جوهر الديانات الداعية إلى السلام والمحبة لبعضنا البعض، والتي بدونها كما أوصانا الله، تكون ناقصة وإيمانا غير كامل وخطايا مضاعفة. وهو ما اشار اليه السيد المسيح في تعاليمه على الجبل، "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين، لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (متى 6: 24).
  
 لذا ينبغي سعي رجال الدين وغيرهم لبناء مجتمعٍ سامٍ وسليم ونبيل، غرس في أفراده أخلاقاً مرموقة وقدوة صالحة، على قاعدة ما دعا اليه قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي عام 1997 رجال الدين المسيحيين والمسلمين، "التزام نهج الحوار المبني على الاحترام المتبادل والعمل معاً على حفظ العدالة المجتمعية والقيم الأخلاقية والسلام والحريات، لأن أجمل ثمار حوارات رجل الدين ان يصبح مرشداً في الحياة ودالاً على الخير، وخلاص الناس دون تفرقة او تمييز".

(*) عضو المركز الحبري المريمي للحوار بين الاديان في لبنان