Advertise here

فشل المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران... اللغة تصعيدية وأي خطأ قد يفجّر كل الجبهات

07 كانون الثاني 2021 11:43:04

يقف التصعيد العسكري والسياسي بين أميركا وإسرائيل من جهة، وإيران وحلفاؤها من جهة أخرى، عند حافة الانفجار القابل للاشتعال. وتؤجِّج المواقف المتبادلة، والأولويات المتباعدة بين الطرفين، القلق من الاندفاع نحو تفلّت الأمور والانفجار الشامل للجبهات في المنطقة جراء أيّ خطأ مفتعل، أو غير مفتعل. 

وانطلاقاً من تصريح وزير الخارجية الإيراني، السيّد محمد جواد ظريف، وتصريحات قادة الحرس الثوري، التي اعتبرت أن الصواريخ الإيرانية المنتشرة في قطاع غزة وفي الجنوب اللبناني جاهزة لتدمير إسرائيل بتوجيهٍ من المرشد الإيراني، والتي تبدو ملتبسة لناحية وظيفتها، نستنتج أن الحوار التمهيدي لاستطلاع الآراء بين مجموعة الرئيس المنتخب جو بايدن وبين الحكومة الإيرانية، وفق مصادر أوروبية - أميركية، وصل إلى نقطة عدم التفاهم على لغة مشتركة للبناء عليها مستقبلاً.

 فالمطالب الإيرانية بوقف العقوبات، وعودة الإدارة الأميركية إلى الالتزام بالاتفاق النووي الذي أقرّ في حزيران 2015، تتناقض والأولويات الأميركية الجديدة التي تنطلق من قواعد استراتيجية لإعادة بناء الموقف مع أوروبا والصين وروسيا في ظل الهجمة السيبرانية المربكة على أميركا، والتعامل مع هذه الهجمة على أنها من روسيا.

وهذا يؤشر إلى أن اللغة التصعيدية الثلاثية الاتجاهات التي اعتمدتها طهران - في رفع نسبة التخصيب إلى 20%، والحديث عن منظومة الصواريخ في غزة وفي جنوب لبنان، واستعراض الزوارق البحرية كقوة دفاعية في مواجهة الغواصات وحاملات الطائرات الأميركية - ليس لها علاقة بالرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، إنما تتعلّق بفشل المفاوضات السرية لاستطلاع المواقف مع فريق الرئيس المنتخب جو بايدن.

لقد حدّد خبراء الجناح الديمقراطي أولوية ترتيب العلاقة بين البيت الأبيض وكل من أوروبا والصين وروسيا، وأولوية حلّ الأزمة اليمنية في مقدمة، اهتمامات الرئيس بايدن. وذلك يعني سقوط الأوراق التي تعتمدها إيران في مفاوضاتها المقبلة (العراق، سوريا، لبنان). فالمسألة اليمنية ترتبط بالنسبة للإدارة الأميركية بضمان الاستقرار الاقتصادي والسيطرة على أسعار النفط، وسلوك الحوثيين. وما زُرع من ألغام بحرية في ممرات مضيق باب المندب، يشير إلى التأثير السلبي للأزمة اليمنية على الاقتصاد العالمي واستقراره، بحيث أن حل الأزمة اليمنية بات ممكناً على قاعدة اتفاق الرياض بعد نجاح المصالحة الخليجية في قمة العلا، وذلك على عكس الأزمات العميقة المرتبطة بالعراق وسوريا ولبنان، والتي تقتضي العمل على نطاق واسع لناحية التدخل الإيراني فيها.

إنّ ما اكتشفته الحكومة الإيرانية من تضارب للأولويات مع الإدارة الأميركية لا يساعدها في الدخول في مفاوضات جديدة تحفظ لها ماء الوجه، فلجأت إلى التصعيد السياسي والاستعراض العسكري في بحر الخليج وإلى رفع نسبة التخصيب، محاولةً بذلك تحسين شروط التفاوض مع إدارة بايدن التي سوف تساوم من الموقع الذي وصلت إليه الإدارة السابقة، ولم تَبِع بالمجّان تراكمات المواقف التي اتخذها الرئيس ترامب، مِن تصعيد للعقوبات وحضور عسكري قوي في الشرق الأوسط والتكلفة السياسية والمالية والأمنية التي تكبّدها.

انطلاقاً من ذلك تبدو الصورة على درجة من الاختلاف عن تلك التي تضع التصعيد الإيراني في موقع الرد على ترامب، أو الانتقام لسليماني والمهندس، وبالتالي لا بد من قراءة أوزان الأوراق الإيرانية. فالاعتقاد السائد أن الورقة اللبنانية، أو ورقة غزة، أو سوريا، سوف تجبر الإدارة الأميركية على إعادة النظر في موقفها من الاتفاق النووي، وتعطي إيران إعفاءات ضريبية، أو حتى إسقاط العقوبات عنها لجلبها إلى طاولة المفاوضات، هو اعتقاد خاطئ لأن هذه الأوراق ليست أولوية أميركية. فصواريخ غزة، على سبيل المثال، يتم التعامل معها من قِبل إسرائيل القادرة على التعامل مع الصواريخ المتمركزة في لبنان، أو تلك التي تريد إيران تثبيتها في سوريا. وهناك توكيل أميركي مفتوح لإسرائيل لجعل الصراع الأمني والعسكري مع الإيرانيين ساخناً ومستمراً  في خدمة الإدارة الأميركية، كي لا تكون تل أبيب خارج النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط، وفي علاقاتها مع الدول العربية على حساب إيران وتركيا.

لذلك فإن إسقاط أوراق التفاوض الإقليمية من يد القيادة الإيرانية وتحويلها، ألغى نقاط نزاعٍ إقليمية بين إسرائيل وإيران بحضور روسيا وتركيا. وهذا يؤكد أنّه ليس أمام طهران سوى العودة إلى المفاوضات، وأن التصعيد الأمني أو العسكري لن يغيّر في اتجاهات الإدارة الأميركية الجديدة التي لا ترى في مناورات طهران أي قيمة استراتيجية. وجهة النظر الأميركية تلك تقابلها وجهة نظر أخرى ترتبط بموقف الرئيس دونالد ترامب، وعملية تسلم وتسليم الإدارة الأميركية، وما إذا كانت ستجري بسلاسة طبيعية أو عكس ذلك، وما إذا كان الرئيس المنتهية ولايته سيستخدم التصعيد العسكري في المنطقة لمصلحة صراعه على السلطة في الداخل الأميركي، وضمان تجديد ولايته، بما يخالف طبيعة الديمقراطية الأميركية، حيث يتصرّف معاونو ترامب وكأنه باق في المكتب البيضاوي لولاية جديدة.

وبعيداً عن الحالة الداخلية الأميركية فإن خبراء السياسة الأميركية يعتبرون أن السياسة الخارجية الجديدة سوف تشهد ثباتاً بنسبة تزيد عن الـ 80%، وربما لن يحمل عام 2021 أي قرارات جديدة، لا في إيران ولا في الساحات الأخرى التي يدور في ظلّها الصراع المرتبط بها. ويعطي هذا التقدير مساحة واسعة لحركة القوى الإقليمية المحلية، إيران، تركيا، إسرائيل، مصر، السعودية، ولمراكمة النقاط في صراع مديد ومستمر. ولن تستطيع أي قوة إقليمية أن تنال نقاط الحسم ما لم توافق عليها الإدارة الأميركية، وهذا يؤدي إلى نوع من "الاشتباك الفوضوي" يحمّل تداخل الملفات الإقليمية أثماناً باهظةً في ظل هيمنة القطب الواحد الذي يمنع الحسم، ويدفع بكل قوة لتحديد أولويته الخاصة التي تخدم مصالحه، دون القدرة على قراءة علاقة تلك المصالح بالملفات الأخرى، وبالتالي فإننا سوف نكون أمام لوحة ضبابية مظلمة فضلاً عن أعباء جائحة كورونا الثقيلة.