Advertise here

سليماني وجردة الحسابات الإيرانية والعربية والأميركية

05 كانون الثاني 2021 15:49:47

مناسبة مرور عام على العملية العسكرية الأميركية في مطار بغداد، والتي أدت الى مقتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني ومساعده العراقي ابو مهدي المهندس، كانت حدثاً سياسياً وأمنياً وإعلامياً كبيراً، وقد تجاوز إهتمام محور "الممانعة" بالذكرى ما حصل من إستنكار إبان وقوع الحادثة في 2 كانون الثاني (يناير) 2020. والمواقف التصعيدية التي رافقت الذكرى، والتي صدرت عن مسؤولين إيرانيين، خصوصاً على لسان قائد القوات الجوية في "الحرس الثوري" اللواء أمير علي حاجي، والتي أطلقها من جزيرة أبو موسى الإماراتية في الخليج، ومعها مواقف عالية اللهجة قالها مسؤولون في "حزب الله" اللبناني و"حزب الله" العراقي وبعض الموالين لإيران في سوريا، كلها حملت توجُّهاً واحداً، وبدت كأنها رسالة باتجاهٍ واحد، وهؤلاء إستفادوا من المناسبة لإبلاغ من يعنيهم الأمر في الإدارة الأميركية الجديدة، أن إستقرار المنطقة برمتها مرتبط بإيران، وهي بواسطة أذرعها اللبنانية والفلسطينية والسورية والعراقية واليمنية، الوحيدة القادرة على ضمان أمن اسرائيل، وتوفير الاستقرار للطموحات الأميركية.

قد تكون من دوافع التصعيد الإعلامي لقادة محور "الممانعة" ايضاً، الحشرة الخانقة التي يعاني منها هذا المحور، فهو على خصام مع جمهور واسع كان قد احتضن أنشطته خلال مراحل ماضية، ومنها خصوصاً مقاومته لإسرائيل قبل عام 2000، وقد تبين بوضوح أن تظاهرة "الحشد الشعبي" في 2 كانون الثاني (يناير) 2021 في بغداد لم تكُن حاشدة شعبياً، ومعظم تحركات قوى "الحرس الثوري" في دول عربية مجاورة لإيران في المناسبة كانت معزولة عن الإرادة الشعبية والسياسية، ولم تلقَ أي صدى ايجابياً في هذه الدول، سوى من الذين يعملون بمقابل مع هذا المحور. والسبب بطبيعة الحال اعتقاد راسخ لدى أغلبية هذه الشعوب، أن تدخلات "الحرس الثوري" هي التي جعلت من دول مهمة وغنية ومتقدمة نسبياً، مثل العراق ولبنان وعلى درجة أقل، سوريا واليمن، أماكن توتر وتعثُر، والعيش فيها يُشبه العيش في الجحيم، وهي تعاني من أزمات داخلية هائلة.

في الحسابات الأميركية، كان توقيت قتل سليماني قبل عام له أهداف إنتخابية وربما يتعلق بالرد على الهجمات التي تتعرَّض لها المصالح الأميركية في العراق. وإلا لمَ لم يحصل هذا الإغتيال من قبل؟ والأميركيون كانوا قادرين على القيام بهذه الفعلة سابقاً، ولم يقدموا عليها، برغم معرفتهم أن سليماني مسؤول عن توجيه كل المنظومة الإيرانية التي بسطت نفوذها على منطقة الهلال العربي الخصيب، وواشنطن كانت تعرف أيضاً أن سليماني كان يُزعج إسرائيل في بعض الأوقات، عندما تتعارض التقاطعات السرية بين مصلحة هذه الأخيرة ومصلحة "الحرس الثوري" اللذين يحملان هدفاً واحداً ولو كانا متخاصِمين، وهو الهيمنة على المنطقة، وتغييب قوة التأثير العربي، وفي هذا التغييب مصالح استراتيجية للطرفين اللدودين. وبعض المعلومات التي نُشرت في صحافة إسرائيل كانت تُشير بوضوح الى أن أسباب حرب العام 2006 المباشرة كانت تافهة وغير كافية لوقع الحرب، لو لم تكُن هناك إرادة عند الفريقين الإيراني والإسرائيلي بتفجير هذه الحرب، بحيث جرَّبت إسرائيل أحدث الأسلحة التدميرية لديها، وألغت دور لبنان السياحي والخدماتي والعلمي في المنطقة، وإيران هيمنت على لبنان وعلى المنطقة المحيطة بعد هذا العدوان، على اعتبار أنها تملك ميليشيات تقوم بدور لا تستطيع جيوش عربية القيام به.

إيران تعرف أن سليماني لا يلقى أي تعاطف من الجمهور العربي العريض، وتكريمه في دول مثل لبنان والعراق وسوريا بمثابة الاستفزاز لهذا الجمهور في هذه الدول، وبالفعل فقد حصلت خطوات عدة اعتراضية على هذا التكريم، وصل الى حد حرق وتمزيق صور سليماني في شوارع لبنانية وعراقية. لكن طهران برفع سقف تهديداتها هذه الفترة تريد لفت نظر الإدارة الأميركية بأنها ألأقوى في المنطقة، وهي قادرة على لعب اوراق مهمة لصالح توفير ظروف مناسبة لتجديد الصفقة غير المُعلنة التي حصلت بين البلدين بعد عام 2003، وتمَّ تجديدها في عام 2015.

الحسابات العربية مختلفة عن هذه المقاربات، وتُدرك الغالبية من الدول العربية، أن التصعيد الإيراني يستهدف تقويض المصالحة التي أجريت حول الحكومة الجديدة في اليمن، ومحاولة التخريب على وحدة الموقف الخليجي الجديد، كما أن طهران تتهرب من مسؤوليتها في المساهمة في تدمير مقومات العراق وسوريا ولبنان، من خلال إغراق هذه الدول بالفوضى والتهريب، وبتعميم الفقر، وعزل حكوماتها عن المحيط الحيوي العربي الذي يوفر لها المساعدة والاستقرار. 

وبينما يعتبر قادة أذرع "الحرس الثوري" في لبنان وغيره، أن أبرز إنجازات قاسم سليماني هو الحفاظ على النظام في سوريا ومنعه من السقوط، وفي تزويد "المقاومة" بالصواريخ والمال، وفي المساعدة في فرض مشروعية لـ"الحشد الشعبي" في العراق، ترى القوى العربية في هذه "الإنجازات" تخريباً على الاستقرار في هذه الدول، وإنتاج مظالم قاسية لحقت بالشعب السوري، وأدت الى تدمير الانتظام العام في كل من العراق ولبنان، وهي خدمت إسرائيل، بحيث جعلت من دورها العدواني مقبولاً عند بعض المتنفذين قياساً بالمصائب التي أتت من خلال الانفلاش الأمني والسياسي والثقافي الإيراني، والذي اسس لتباعُد بين المسلمين، وخلق حساسية بين أُممهم المتنوعة لم تكُن موجودة على هذه الحدَّة في السابق.