Advertise here

"الأنباء" تنشر تفاصيل تلاعب النظام السوري بالأراضي والعقارات: ما لم تقرأوه من قبل!

11 آذار 2019 09:00:00 - آخر تحديث: 11 آذار 2019 16:29:08

أعدّ جهاد يازجي تقريرًا نشرته مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانيّة بعنوان "دمّر لتُعمّر"، أوضح فيه كيف يستفيد النظام السوري من تدمير الممتلكات ومن التشريعات العقارية، واستعرض الكاتب في التقرير عمليات توزيع الأراضي في سوريا، وكأنّها خطّة ممنهجة يعيدها التاريخ كلّ مدّة.

وقال الكاتب إنّه في العام 1958، وبعد سنوات من النمو الاقتصادي القوي الذي برز بعد الاستقلال، والذي ساعد فيه استثمار القطاع الخاص في قطاع الزراعة، اتحدت سوريا مع مصر لتأسيس "الجمهورية العربية المتحدة"، والتي فرضت برنامجًا اقتصاديًا لتأميم الأصول الخاصة، بما في ذلك الأراضي والبنوك والمؤسسات الصناعية. 

وبالنسبة إلى الحكام الجدد آنذاك، لم يكن الهدف هو إعادة توزيع الثروة الاقتصادية فحسب، ولكن أيضًا إضعاف القاعدة الاقتصادية للنخبة السياسية الحاكمة، وخاصة الأراضي التي اكتسبوها في ظلّ الإمبراطورية العثمانية ثم الانتداب الفرنسي (1920-1946).

وكان أحد الجوانب الرئيسية لهذه السياسة وضع سقف لملكية الأراضي وإعادة توزيع الأراضي على المزارعين، فقد تم تحديد سقوف الملكية على الأساس التالي: بالنسبة للأراضي المرويّة التي كانت تمثل في ذلك الوقت جزءًا صغيرًا من مجموع الأراضي الزراعية، كان السقف 80 هكتارًا لكل أسرة، ثمّ تمت إضافة عشرة هكتارات لكلّ فرد من أفراد العائلة بحد أقصى 40 هكتارًا إضافيًا. أمّا بالنسبة للأراضي الأخرى غير المرويّة، فقد تمّ تحديد السقف بـ 300 هكتار، مع إضافة 40 هكتارًا لكل فرد من أفراد العائلة وبحد أقصى 160 هكتارًا إضافيًا.

وتأثرت المدن الرئيسية بهذا القرار مثل حلب وحماة، التي تعتمد إلى حدّ كبير على الأراضي والإنتاج الزراعي، وعلى الرغم من تقديم التعويض للمالكين، إلا أنّ ذلك لم يكن مرضيًا وشعر المالكون بالظلم بسبب عمليات انتزاع الملكيّة التي تعرضوا لها.

ومنذ ذلك الوقت وحتى مجزرة حماة التي وقعت عام 1982،  قادت هاتان المدينتان معارضة.

والجدير ذكره أنّ الفترة ما بين 1958 و1961 كانت صاخبة وانتهت بانقلاب أدى إلى وضع نهاية للجمهورية العربية المتحدة، وشهدت عودة مؤقتة لبعض عناصر البرجوازية القديمة.
 وكان من بين التدابير الأولى التي اعتمدتها الحكومة الجديدة إجراء تغييرات في خطة الإصلاح الزراعي، بما في ذلك زيادة السقوف للملكية إلى 200 هكتار للأراضي المرويّة، و600 هكتار للأراضي غير المرويّة. كما تم اتخاذ تدابير لضمان تعويض أفضل لمالكي الأراضي، ولكن مرّة أخرى كانت ملكية الأراضي في طليعة الصراعات الاقتصادية والسياسية في سوريا.

وفي عام 1963، استولى حزب البعث على السلطة في انقلاب جديد وعاد إلى سياسات إعادة توزيع الأراضي، مع مزيد من الانخفاض في الحدود القصوى للملكية وتمّ إنشاء مزارع جماعية مملوكة للحكومة بعد سنوات.

وأدّت هذه الفترة من عدم الاستقرار والاضطرابات وضعف النخب الاقتصادية والسياسية إلى نزوح العديد من أفراد العائلات البرجوازية السورية إلى لبنان وأوروبا ودول أخرى من العالم.

بعد خمسين عامًا، وبالتحديد في العام 2013، نشرت مجموعة من الخبراء السوريين البارزين المنتمين للمعارضة وثيقة بعنوان "خارطة طريق سوريا الانتقالية" بشأن سوريا في لمرحلة ما بعد نظام الأسد، وكانت إحدى التوصيات الرئيسية في المجال الاقتصادي هي إعادة الأراضي والممتلكات الأخرى التي تم تأميمها من قبل حزب البعث إلى "أصحابهم الشرعيين".

النمو الديموغرافي

على الرغم من أن سوريا شهدت بعض التغييرات التنظيمية لتغيير الوضع القائم في قضايا الأراضي في ظل حكم حافظ الأسد (1971-2000)، فإن الإقتصاد والمجتمع تغيّرا بشكل كبير خلال هذه العقود. على سبيل المثال، فإنّ ملكية الأراضي في المناطق الريفية تأثرت بشكل خاص بوفاة المستفيدين الأوائل من توزيع ا?راضي. وقد شهدت سوريا في تلك الفترة طفرة ديموغرافية وتطورًا في الخدمات الصحية ارتبط بارتفاع بنسبة السكان، إضافةً الى نزوح ملحوظ من الأرياف، وتحويل الطلب على الأراضي والممتلكات العقارية إلى المدن.
 
 
وتشير البيانات الرسمية إلى أنّ سكان المدن في سوريا أصبحوا أكثر من سكان الريف في العام 1990،  وأدّى التوجّه إلى المدن الذي بدأ في السبعينيات إلى زيادة في التجمعات السكانية العشوائية داخل وفي محيط جميع المناطق الرئيسية. 
 

 أداة سيطرة سياسية
شكّلت إدارة الأراضي والممتلكات أداة سيطرة سياسية بالنسبة للحكومة السورية، ففي حين أدى توزيع الأراضي الزراعية إلى إضعاف القاعدة الإقتصادية وزاد التأثير السياسي، كما تم استخدام القوانين المتعلقة بملكية الأراضي والمعاملات كأداة لإدارة العلاقات مع الأكراد، إذ أسست الحكومة في أوائل التسينيات "حزامًا عربيًا" في شمال شرق سوريا. وكان الهدف هو خفض نسبة الأكراد الذين يعيشون في تلك المنطقة، حيث الموارد النفطية والأراضي الخصبة.

وأدت هذه السياسة إلى نقل وتمركز القبائل العربية في المنطقة الحدودية مع تركيا لتخفيف السيطرة السكانية للأكراد في المنطقة وبالتالي لجم الدعوات المطالبة بحكم ذاتي للأكراد.
كذلك فبعد بناء سد الفرات، أدّى ارتفاع منسوب المياه في خزانه إلى نزوح سكان عشرات القرى العربية وتموضعهم في المنطقة الحدودية الشمالية الشرقية. وبقيت العلاقات مع الأكراد غير مستقرة لعقود، وفي عام 2008 أصدرت الحكومة المرسوم رقم 49، الذي يوجب طلب تصريح أمني لشراء الأراضي وبيعها ووراثتها في المناطق الحدودية، والتي تم تعريفها على أنها جميع المناطق الواقعة ضمن حزام حدودي عرضه 25 كيلومترًا، كما ذكرنا سابقًا.

ونظر الأكراد إلى نص المرسوم على أنه استفزاز موجه لهم على وجه الخصوص على الرغم من أن أهالي درعا المتاخمة للأردن تأثروا بالمرسوم. وقالت مننظمة حقوق إنسان سورية كردية في حينه أن المرسوم سيكون له تأثير كارثي على حقوق المدنيين، وفرض تصريح أمني سيعني تلقائيًا أنه لن يكون مسموحًا الأكراد بأن يديروا اراضيهم وعقاراتهم، حيث أن ولا أي مواطن كردي كان قد استحصل على تصريح من أجهزة الأمن منذ فترة طويلة. واضافت، في نهاية المطاف، سيكون للمرسوم "تأثير خطير على الإستقرار".

التحوّل الليبرالي
شهد عهد بشار الأسد في الحكم، خلال الفترة التي سبقت الإنتفاضة الشعبية عام 2011 تحديات إضافية بالنسبة للوضع القائم في موضوع توزيع الأراضي، والتي نتجت عن التغييرات التنظيمية التي بدأتها النخبة الاقتصادية الجديدة الليبرالية، التي صعدت إلى السلطة إلى جانب الرئيس الجديد.

وبعد ستة أشهر على انطلاق حكمه في عام 2000، اتخذ قرارًا إقتصاديًا تمثّل بتخصيص مزارع الدولة، وقد تم تبرير إغلاقها من قبل السلطات بضعف إنتاجيتها. ومع ذلك، كان هذا التدبير رمزًا للسياسات الاقتصادية التي تروج لها الطبقة الجديدة.
 
 في عام 2004 تبنت الحكومة قانون جديد خاص بالزراعة، إلا أنّه لم يكن مؤاتيًا للمزارعين الذين يضمنون الأراضي، ما أدّى إلى طرد العديد منهم، بالإضافة إلى زيادة مضاربات الأراضي، وتزامن ذلك مع ارتفاع سعر النفط عالميًا وفورة الإستثمار في قطاع العقارات في الشرق الأوسط.
 
كذلك فقد قدّم القانون رقم 15 لعام 2008 حوافز لمشاريع بناء واسعة النطاق بهدف جذب الأموال من أجل التطوير السكني والتجاري الراقي. أمّا المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2007 فقد سهّل الاستثمار الخاص، وسمح للمستثمرين الأجانب بامتلاك الأراضي، مما شجع تدفق الأموال الخليجية وأدى إلى ارتفاع الأسعار. وبين عامي 2003 و2006، ارتفعت أسعار المساكن بمعدّل 30 في المئة سنويًا في جميع أنحاء سوريا، بينما ارتفعت في عام 2009 بنسبة 40 في المئة.
  
وفي السنوات التي سبقت الإنتفاضة، أصبحت قضايا الأراضي والممتلكات، بما في ذلك ارتفاع أسعار المساكن والتشريعات المؤيدة للاستثمارات العقارية الراقية، والتشريعات التي خلقت عقبة في معاملات نقل الملكية في المناطق الحدودية، ما أدّى الى توتر واستياء بشكل متزايد. وفي آذار 2011، بعد بضعة أيام من بدء الانتفاضة، أرسل الأسد وفداً من حزب البعث لمقابلة المحتجين في مدينة درعا، وعلى الرغم من أن مطالب المتظاهرين كانت ذات طبيعة سياسية بشكل أساسي، إلا أنهم حملوا مطالب تتعلق على وجه التحديد بملكية الأراضي والممتلكات ومعاملات  نقل الملكية والتسجيل.

وأراد المتظاهرون من الحكومة إلغاء القانون رقم 60 الذي تم إصداره في عام 1979 وجرى تعديله في العام 2000 (القانون رقم 26 لعام 2000)، والذي سمح بمصادرة الحكومة الأراضي في المراكز الحضرية مقابل تعويضات مالية غير عادلة. وكذلك القانون 41 الذي صدر عام 2004 والمعدل عام 2008، والذي يوجب طلب تصريح أمني لبيع وملكية الأراضي والممتلكات في المناطق الحدودية، ما يجبر الأشخاص إما على دفع رشاوى أو بيع ممتلكاتهم إلى شخصيات تابعة للنظام السوري بأسعار منخفضة.

الأبعاد السياسية والأمنية لسياسات النظام بالنسبة للأراضي والممتلكات

منذ بدء الانتفاضة السورية في شهر آذار 2011، كان النظام السوري يقوم بالتدمير المنظم والواسع النطاق للمناطق والأحياء التي تسيطر عليها المعارضة. وبينما ظهرت هذه السياسة في بادئ الأمر كطريقة لقمع المعارضة. 

وبصرف النظر عن التدمير المادي للممتلكات، قام النظام أيضًا بتدمير وتزوير سجلات الممتلكات، ومصادرة الممتلكات وإعادة تخصيصها للمجتمعات الموالية للنظام، وإعطاء الأولوية لإعادة تأهيل المناطق التي يسكنها هؤلاء.

وتشمل أهداف النظام زرع الخوف وترويع جماعات المعارضة من أجل الخضوع وتعزيز السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضيو شراء الولاء ومكافأة المؤيدين وتوسيع السيطرة الإيرانية على الأجزاء الاستراتيجية من دمشق والحدود مع لبنان.
 
التدمير المادي ومحو السجلات والتزوير
وثقت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر عام 2014 سبع حالات تدمير واسعة النطاق قام بها النظام في مدينتي دمشق وحماة. وكانت الأحياء السبعة التي دُمّرت معاقل للمعارضة، ووفقًا للتقرير فقد كان الدافع وراء التدمير هو الرغبة في معاقبة السكان ومنعهم من العودة.

ومن الأمور المهمة أيضًا، إضفاء الشرعية على تدمير منطقتين أخريين في العام 2012 في دمشق، ففي ذلك الوقت، أصدر الأسد المرسوم رقم 66 / 2012،15 الذي أجاز تدمير دائرتين تقعان في الأجزاء الجنوبية الغربية من العاصمة السورية، وسمح بطرد سكانهما الذين كانوا يدعمون المعارضة إلى حد كبير. وتمّ التخطيط لبناء مشاريع سكنية راقية بدلاً من الدائرتين القديمتين، وجاء المرسوم بعد أشهر من الاحتجاجات السلمية ضد النظام ومن ثم المعارضة المسلحة من قبل الجيش السوري الحر في هذه المناطق.

 وبرر النظام طرد السكان بالحاجة إلى تطبيق مخطط تخطيط حضري طويل الأمد يهدف إلى إنهاء المناطق السكنية غير الرسمية، وإعادة تطويرها بشكل منظّم أكثر،  وتحسين ظروف المعيشة، لكن هذه الادعاءات كُشفت بعد تقصي الحقائق والتدقيق. 

توازيًا، لا يزال هناك ما يكفي من الأدلة الظرفية التي تشير إلى السياسات ذات الدوافع الطائفية التي ينفذها النظام، على الأقل في بعض أجزاء سوريا، فعلى الرغم من أنّ النظام لا يستهدف كل السنّة في سوريا، إلا أنّه في كل مرة يتم فيها استهداف المجتمعات المحلية، يكون الأهالي من السنّة، لذلك كان هناك إدراك بين هذه المجتمعات أنها مستهدفة بسبب الطائفة وليس فقط بسبب معارضة للنظام.
 
وفي الحديث عن البعد الطائفي أيضًا، تتجلّى حقيقة متمثّلة بأنّ النظام والإيرانيين اعتمدوا إلى حدّ كبير على المقاتلين الشيعة الأجانب من أفغانستان والعراق ولبنان.
 
ومن أجل حشد هؤلاء المجندين، كان الخطاب الذي تم تبنيه طائفيًا، وبالتالي يتضح من عدد لا يحصى من مقاطع الفيديو وتعليقات وسائل الإعلام الاجتماعية، أنّ ما ارتكبه هؤلاء كان له بعد طائفي.
 
ومن الأمثلة أيضًا أنّ المنطقتين في المرسوم 66 اللتين دمرهما النظام في دمشق،  والحالات السبع التي أبرزها تقرير هيومن رايتس ووتش، وتقريبًا جميع المناطق التي دمرها النظام وهجر سكانها، معظمهم من السنّة.

بالمقابل، فإنّ المناطق غير الرسمية في دمشق التي ذكرناها سابقًا والتي تم الحفاظ عليها بعيدًا من الدمار، كلها مأهولة بالأقليات، وهي المزة، السومرية وعش الورور معظمها مأهولة من قبل العلويين، أمّا الدويلة فغالبيتها من المسيحيين، وجرمانا تضمّ المسيحيين والدروز.

وإضافةً الى ما تقدّم، ففي بعض الحالات، مثل مدينة حمص حيث كانت التوترات الطائفية عالية بشكل خاص حتى قبل الانتفاضة، فإن الممتلكات التي يملكها أشخاص مطرودون، أي السُنة،  قد ذهبت في عملية إعادة التوزيع إلى العلويين.

وقد نُشر تقرير لـ"باكس" و"مبادرة سوريا" حول مدينة حمص في مطلع عام 2017 عن إعادة تخصيص الممتلكات، وفيه تحدّث اثنان ممن أجريت المقابلات معهم عن  محاولات التصرف في ثلاثة عقارات في حمص بعد الفرار من المدينة، حيث تم بيع منازلهم بشكل غير قانوني باستخدام وثائق مزورة.

وفي التفاصيل، فقد وقعت هذه الحالات في أحياء بياضة وحي العرمان وحي الزهراء في شمال شرق حمص، وكانت هذه الأحياء إما ذات أغلبية علوية أو مجاورة للأحياء ذات الأغلبية العلوية ولم تخضع للحصار في وسط المدينة.

ووصف الشخصان اللذان أجريت معهما المقابلة سيناريوهات مماثلة للتحدث مع وكلاء العقارات عبر الهاتف عن ممتلكاتهما، حيث قيل لهما إنّ المنازل قد بيعت بالفعل وهناك سجلات تثبت ذلك. وقال أحدهم: "لم نفهم هذا لأننا لم نعرضها للبيع. تم بيع جميع المباني إلى العلويين من خلال سلطة الحكومة السورية".

وأوضح شخص آخر من الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلة: "تم تزوير وثائق تقول إنني بعت منزلي إلى العلويين"، مشيرًا الى أنّ عائلته "اتصلت بوكيل عقارات قال إن لدى العلويين مستندات تثبت أنهم يمتلكون المنزل، وكان الأمر كما لو أننا بعناها، إلا أننا لم نحصل على شيء من بيعه، لقد تم أخذ المنازل فقط".

وما يعزز القول إنّ السنّة قد استُهدفوا بالإسم هو الأسواق المنشأة حديثًا للأثاث والسلع المسروقة. ومرة أخرى في حمص، حيث تم نهب بيوت الجماعات الداعمة للمعارضة من قبل موالي النظام وبيعها، أصبحت هذه الأسواق تعرف باسم "سوق السنّة". وانتشر استخدام هذا التعبير في مدن سورية أخرى، كذلك في جبال القلمون المتاخمة للبنان، لم يعد مئات الآلاف من النازحين الذين نزح معظمهم إلى لبنان، رغم أن المعارك توقفت منذ سنوات.
 
وتقع المنطقة الآن تحت سيطرة "حزب الله"، ويقال إنه عازم على إبقاء هذه المنطقة الاستراتيجية تحت سيطرته.
لذلك، في حين أن النظام السوري وإيران ليس لديهما سياسة تطهير نظامية طائفية على مستوى سوريا، فإنهما لم يترددا في طرد السنة عندما تتطلب حاجاتهما السياسية والأمنية ذلك، لأنهما ينظران إليهم على أنهم تهديد، ويستبدلونهم بالعلويين أو الأقليات الأخرى.
 
شراء إيران للأراضي
بات تدخل إيران في الصراع السوري موثق الآن، فقد دعمت النظام عسكريًا وأمنيًا، بالإضافة إلى تقديمها المساعدة الاقتصادية الكبيرة، ما أثّر بشكل كبير على ثروات حليفها.
 
ومع ذلك، هناك أدلّة على شراء الأراضي والممتلكات من قبل الإيرانيين،  على الأقل في بعض أجزاء سوريا، ما يثير تساؤلات حول أهداف طهران الطويلة المدى في سوريا. وقد أكدت وسائل إعلام إيرانية أنّ عمليات الشراء هذه تمّت في منطقة السيدة زينب في ضاحية دمشق، حيث يقع مقام السيدة زينب.

 ونُقل في آب 2014 عن حسين بالاراك، رئيس الإدارة الإيرانية لإعادة إعمار الأماكن المقدسة قوله إنّه يجب مراجعة التخطيط للمنطقة القريبة من السيدة زينب، لافتًا الى أنّه يجري الآن إعداد نموذج جديد وشراء العقارات حول المقام.

وهناك أدلة غير مؤكدة على حصول العديد من عمليات شراء العقارات في البلدة القديمة بدمشق من قبل شيعة دمشقيين، على الرغم من عدم وجود أدلة على أنهم يعملون كواجهة للإيرانيين أو أن هذا جزء من جهد أكبر وممنهج.

على الرغم من التقارير العديدة الصادرة عن دوائر المعارضة ووسائل الإعلام، يصعب أيضًا جمع أدلة مباشرة على المشتريات المرتبطة بإيران في أجزاء أخرى من سوريا. كما انتشرت شائعات مختلفة في دمشق حول شراء إيران بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء أراضٍ وممتلكات في حي المزة حول السفارة الإيرانية في منطقة البحصة بالقرب من المركز الثقافي الإيراني، وكذلك في مدينة حمص.

ونُسبت في نيسان 2016، حرائق دمرت متاجر عدة في البلدة القديمة التاريخية إلى الإيرانيين الراغبين في تمهيد الطريق للمشترين الشيعة، على الرغم من أن آخرين ألقوا باللوم على أتباع النظام.

وقد اعتبر الشيخ محمد كريم راجح، وهو عالم إسلامي مؤثر يدعم المعارضة ويعيش الآن في المنفى، ما يجري أمرًا خطيرًا، حيث أصدر فتوى في آب 2015 تحظر بيع الأراضي السورية للمواطنين الإيرانيين على أساس أن هذا سيخدم الخطة الإيرانية للسيطرة على البلد ونشر التشيع.
 
والجدير ذكره أنّ أهداف إيران في الحصول على الأراضي والممتلكات السورية متعددة، فهناك دافع أيديولوجي في السيطرة على المقامات الدينية تماشيًا مع الجهود المماثلة في النجف وسمراء وكربلاء في العراق. وهناك دافع اقتصادي حيث تسعى طهران للاستفادة من الدعم المالي الهائل الذي منحته لدمشق، في حين أنها تعرف أن النظام لا يملك المال لسداده نقدًا وفي الوقت عينه، ترغب الشركات الإيرانية في أخذ موقع لها في إعادة الإعمار وتعلم أن العقارات وقطاعات البناء يمكن أن تجتذب نشاطًا تجاريًا هامًا. وفي حزيران 2014، قال وائل حلقي، رئيس الوزراء السوري آنذاك "إن الشركات الإيرانية هي الشريك الرئيسي لسوريا في إعادة إعمار بلادنا."

وقد وقعت الحكومتان السورية والإيرانية في كانون الثاني 2017 عقدًا تحصل بموجبه الشركات الإيرانية على حوالي 11000 هكتار من الأراضي في المنطقة الساحلية لتطوير مشاريع زراعية وإقامة خزانات لتخزين النفط.
 
كذلك فإنّ الدوافع السياسية والأمنية واضحة، ففي حين أنه لا يمكن لإيران الإعتماد على الطائفة الشيعية السورية، لكي تلعب دورًا سياسيًا وعسكريًا هامًا، فإنّ الحصول على الأراضي يمكن أن يساعد في سيطرة إيران على بعض المناطق الإستراتيجية المحددة، خصوصًا في جبال القلمون على طول الحدود مع لبنان.
كما سيؤدي امتلاك الأراضي إلى تأسيس ممر بري محتمل يمتد من إيران إلى البحر المتوسط عبر العراق.
وادعت صحيفة "الغارديان" في أيار 2017 أن طهران غيرت مسار ممر بري تهدف منه الوصول إلى ساحل البحر المتوسط وأن الطريق الجديد سوف يذهب من دير الزور إلى السخنة إلى تدمر، ثم دمشق، ونحو الحدود اللبنانية، حيث يمكن أن يتحقق جزئيًا الهدف المركزي وهو تقوية حزب الله من خلال التبديل الديموغرافي.
 
ومن هناك، تم التفكير أيضًا في طريق إلى اللاذقية والبحر الأبيض المتوسط، مما أعطى إيران خط الإمداد الذي يتجنب مياه الخليج التي تعج بالدوريات البحرية. وقد عززت هذا الإدعاء التطورات الأخيرة في ساحة المعركة، التي شهدت أولا سيطرة المجموعات الشيعية المدعومة إيرانيًا على السخنة وتقدمها بسرعة نحو الحدود العراقية. 
الإعتداءات على حقوق الملكية في مناطق الأكراد

وإضافةً الى ما تقدّم، لا يحتكر النظام السوري وحده محاولات التأثير على حقوق الملكية، فقد تم رفع شكوك مماثلة بارتكاب مخالفات تتعلق بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD) في أيلول 2015 بعدما أصدر المجلس التشريعي وهو هيئة أنشأها حزب الاتحاد الديمقراطي للتشريع في إحدى المناطق الثلاث الواقعة تحت سيطرته،  قانونًا يصادر فيه ممتلكات السكان الذين غادروا المنطقة، ويأتي ذلك وفق الإعلان الرسمي لحماية هذه الأصول من الاستيلاء عليها من أطراف ثالثة ولاستخدامها لمصلحة المجتمع.
نظريًا، يؤثر هذا الإجراء على كل شخص غادر المنطقة، بغض النظر عن خلفيته العرقية أو الطائفية. لكن المسيحيين الذين غادروا المنطقة أكثر ثراء وبالتالي لديهم ممتلكات أكثر ما جعلهم يشعرون أنهم مستهدفون بشكل خاص.

من جانبهم، كان الأعضاء الآشوريون في المجلس المجموعة الوحيدة التي عارضت مشروع القانون، وفي غضون بضعة أسابيع، اضطر حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو القوة الحقيقية وراء المجلس إلى التراجع، ربما بسبب رد الفعل العنيف الذي كان يخشاه من الداعمين الأجانب، ولاسيما الذين يشعرون بالحساسية لمحنة المسيحيين. ويتم الآن تسليم الأصول التي يملكها المسيحيون والتي تم الإستيلاء عليها إلى الكنيسة.

في غضون ذلك، شهدت منبج، المدينة المتنازع عليها من قبل الجماعات المسلحة الكردية والعربية، تدمير سجلات ممتلكاتها. وقد اشتعلت النار في المبنى الذي يضمّ السجلات المدنية والأراضي بعد استيلاء حزب الاتحاد الديمقراطي على المدينة في آب 2016 مما أثار الشكوك في أن الحزب الكردي أراد تدمير سجلات الملكية العربية في البلدة لمنع أي مطالبة بملكية.
وبوجود أغلبية سكانها العرب والتركمان، فإن منبج تقع في وسط ممر شرقي غربي على طول الحدود التركية، والذي يضمّ عددًا كبيرًا من السكان الأكراد. في حين أن المسؤولية الفعلية عن حزب الاتحاد الديمقراطي في الحريق غير واضحة، فإن العدد الكبير من المقالات المنشورة عن الحدث في وسائل الإعلام السورية المعارضة سلط الضوء على حساسية القضية. 
وعزز واقع التوترات الطائفية والعرقية المرتفعة الموجود  في منبج، كما هو الحال في حمص، الشكوك حول ارتكاب مخالفات متعمدة.

الإستفادة من الدمار: إقتصادات الاراضي والممتلكات
سيتطلب التدمير الهائل في سوريا حملة إعادة إعمار كبيرة، ووفقًا لتقديرات كثيرة، فإنّ إعادة بناء سوريا قد تتطلب استثمارات تصل إلى 200 مليار دولار أميركي، لكن النظام المسؤول بشكل كبير عن هذا التدمير لم يمنعه شيء من السعي إلى أن يكون في مقدمة جهود إعادة الإعمار.

ويعيش الأكراد السوريون في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك في حلب ودمشق. ومع ذلك، فإن أكبر تركيزين لهما يقعان في الشمال الشرقي، على طول الحدود مع العراق وتركيا والشمال الغربي من حلب، وكذلك على طول الحدود التركية والقريبة من البحر الأبيض المتوسط، وهاتان المنطقتان، اللتان كانتا تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، حتى وقت كتابة هذه السطور، تفصل بينهما منطقة يقطنها أغلبية العرب والتركمان، حيث تقع منبج.

فقد كان النظام نشطًا للغاية في تنظيم قطاع العقارات، في محاولة منه للسيطرة على حصة متزايدة من الأصول في المراكز الحضرية الرئيسية. وقد استُخدمت الحاجة إلى تمويل إعادة الإعمار لتبرير تغيير الإطار القانوني بطريقة تخفف بصورة فعالة من الاستيلاء التدريجي على الأراضي العامة، إضافةً الى المناطق السكنية غير القانونية التي تعيش فيها الشرائح الأفقر من السكان، وذلك لصالح موالي النظام.

 ونظراً لتدمير معظم الاقتصاد والعقوبات الدولية المفروضة، كانت الفرص التجارية محدودة، وينظر إلى العقارات على أنها منطقة للأرباح المستقبلية المحتملة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ حجم الدمار يجعل قطاع العقارات من أكثر القطاعات ربحًا لسنوات وعقود قادمة، وبالتالي فإنّ النظام يعمل لضمان سيطرة المقربين منه على أكبر قدر ممكن من الأراضي والممتلكات في انتظار إعادة البناء.

ويشهد قطاع مواد البناء، المرتبط بشكلٍ مباشر بالإعمار استعدادات كثيرة، ففي نهاية عام 2015، على سبيل المثال، أنشأت الحكومة المجلس السوري للمعادن والصلب، وهو مكلّف بالإشراف على قطاع المعادن والصلب وتحديد الأسعار، وتشجيع الشركات الخاصة، وإصدار شهادات، وتبيّن أنّ المجلس يضمّ مستثمرين مرتبطين بالنظام، بمن فيهم محمد حمشو، أحد أقوى الشخصيات التجارية في سوريا. وبالمثل، قام سامر فوز وعماد حميشو، وهما من المستثمرين البارزين بتوحيد القوى لتشغيل أحد أكبر مصانع انصهار الصلب، بينما يخطط آخرون لإنشاء وحدات إنتاج الإسمنت. ومع ذلك، تظلّ الأرض في مراكز المدينة الرئيسية أو حولها هي الأصول الأكثر قيمة، وهناك جزء كبير من الأراضي والممتلكات مملوك للدولة، ولذلك تم تحديد اللوائح لضمان إمكانية نقلها بطريقة أو بأخرى إلى مستثمرين من القطاع الخاص.
التشريعات كوسيلة لنقل الأصول العامة إلى مقربين من النظام

في أيار 2015، سنّت الحكومة السورية المرسوم رقم 19/2015 الذي يسمح للوحدات الإدارية المحلية مثل المحافظات والمدن والبلدات بإنشاء شركات قابضة مملوكة بالكامل لتنفيذ أعمال البنية التحتية، وإصدار تراخيص البناء، وتعفي هذه الوحدات الأصول التي تديرها والشركات التابعة لها من أي ضرائب ورسوم، وبذلك يمكن أن تنشئ شركات تابعة مشاريع مشتركة مع مستثمرين من القطاع الخاص بدون سقف ملكية، مما يسمح للقطاع الخاص بامتلاك غالبية الأسهم. 

وقد أكد مسؤولون حكوميون أنه سيتم إنشاء الشركات التابعة في مشاريع مشتركة ذات مصالح خاصة، وأنّ الهدف هو في الأساس تطوير مشاريع عقارية، وهذا الأمر سيتيح للمستثمرين الأقوياء إدارة جميع الأصول العقارية الكبيرة التي تمتلكها المحافظات والمدن السورية بطريقة غير مباشرة. 

ونظرًا لأنه تم تأسيسها بموجب قانون الشركات، بدلاً من أن تكون كيانات تابعة للدولة، لن تضطر الشركات إلى إجراء مناقصات عامّة، بل يمكنها بدلاً من ذلك منح العمل لشركات المقاولات التي تختارها، وتستفيد الشركات من امتلاك الأصول العامّة.

لذلك، بدلاً من حماية المصلحة العامة كما هو مزعوم، سيتمّ استخدام العقارات كغطاء لحماية المستثمرين والمتعاقدين في القطاع الخاص، المشاركين في تطوير المشاريع على الأراضي السورية أو في الأراضي الخاصة التي تمت مصادرتها. وفي كانون الأول 2016، وضعت دمشق اللمسات الأخيرة على تأسيس شركة الشام الخاصة المساهمة برأس مال أولي قدره حوالي 120 مليون دولار أميركي، لتولي مسؤولية تطوير الموقعين المحددين في المرسوم 66.
  
في آذار 2017، عملت محافظة حمص على شركة قابضة خاصة بها، وفي الشهر نفسه، تمّ تأسيس شركة تطوير عقاري برأسمال يبدأ بحوالي 90 مليون دولار أميركي، من قبل مستثمرين منتسبين للنظام السوري، بمن فيهم نادر قلعي، المساهم السابق والمدير العام لشركة سيريتل، وهي شركة يملكها رامي مخلوف قريب بشار الأسد، وأقوى رجل أعمال في سوريا. وتمّ العمل بالمناقصات للمشاريع التي تروج لها الشركة الرئيسية.
 
وتمّت المصادقة على أمر رئيسي آخر وهو قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في كانون الثاني 2016، فقبل الحرب، كانت هناك محادثات قائمة حول هذا القانون الذي من شأنه أن يقلل من الحاجة إلى قيام الحكومة بتوفير تمويل قصير الأجل لمشاريع البنية التحتية،  في حين أنّ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن تكون منطقية بالنظر إلى الأموال الضخمة اللازمة لتمويل إعادة الإعمار، فقد تم النظر إلى نص القانون كوسيلة لإضفاء الشرعية على نقل أصول الدولة، ومعظمها عقارات أو أراضٍ إلى مستثمرين من القطاع الخاص.
والجدير ذكره أنّ غياب الضمانات، إلى جانب عدم وجود أي شكل من أشكال الضوابط والتوازنات المستقلة في القضاء أو المجتمع المدني، يحول عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى تحديات خطيرة لحقوق الملكية في سوريا. وفي أيار 2017، تم وضع قائمة أولية بالمشاريع التي سيتم تقديمها للمستثمرين بموجب قواعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

النظام يستهدف المناطق غير الرسميّة
في سياق متصل، وضع النظام بمخططه، مختلف المناطق غير الرسمية الكبيرة المحيطة بالمدن، علمًا أنّ هناك أبعاداً مهمة أخرى لاستهداف المناطق غير الرسمية التي نوقشت في وقت سابق في هذا البحث أي عند الحديث عن الأبعاد السياسية والأمنية والطائفية، وكذلك هناك أبعاد اقتصادية واضحة.

تتميز المناطق غير الرسمية بكونها تقع في أو حول المراكز الحضرية والمدنية، وبالتالي فهي ذات قيمة خاصة، إضافةً الى أنّ سكان هذه المناطق عادة ما يكون لديهم وثائق قانونية ضعيفة لدعم مطالبات الملكية الخاصة بهم، مما يجعل تجريدهم من الملكية أسهل.

إنّ أبرز القوانين التي تستهدف المناطق العشوائية هو المرسوم 66 المشار إليه في عام 2012، والذي يسهل نزع الملكية في منطقتين سكنيتين كبيرتين في دمشق، وبالتحديد منطقة إستراتيجية بين طريق المزة السريع ومشروع كفرسوسة، وقد دفع سكانه تدريجيا إلى الخروج لخلق مساحة لتطوير مشروع سكني راقٍ، فهناك مخطط لإنشاء حوالي 12 ألف وحدة سكنية في أبراج شاهقة، إلى جانب مركز تسوق وحدائق ومدارس ومطاعم. أمّا المنطقة الثانية فتقع على الجانب الآخر من الطريق الدائري الجنوبي لدمشق وتضمّ بلدة داريا، وتمتد إلى حي القدم في الشرق.

وللتوضيح، فإنّ العقود التي تعطى هي طويلة الأجل وتمنح بموجبها الدولة أو الكيانات العامة الأخرى للمستثمرين من القطاع الخاص الحق في تقديم خدمة عامة أو أصول، وتشمل الصفقات النموذجية المستثمرين في القطاع الخاص الذين يتحملون تكلفة المشروع في مقابل تلقي الأرباح التشغيلية التي يولدها، وفي نهاية فترة العقد، يتم تسليم المشروع إلى الدولة. على سبيل المثال، يمكن أن تشمل المشاريع بناء محطات لتوليد الطاقة ومطارات أو غيرها من المشاريع التي تحتاج رؤوس أموال كبيرة. 

وكانت هذه المناطق مراكز رئيسية لأنشطة المعارضة وشهدت طرد سكانها إما بسبب القمع والقصف والتدمير من قبل قوات النظام أو من خلال أحكام المرسوم التي تضفي الشرعية على طردهم ونزع ملكيتهم. وبالفعل بدأ التطور الأول، المسمّى بساتين الرازي، وهو في مرحلة متقدمة نسبيًا وقدمه النظام كمخطط لإعادة الإعمار في المستقبل. وقد وضع الأسد حجر الأساس له في آذار 2016، ثم طلبت الحكومة من البنك التجاري السوري توفير التمويل اللازم لتمويل الاستثمار في البنية التحتية الأولية. وفي حمص، أعلنت السلطات المحلية في آب 2015 الموافقة على التخطيط الحضري لمناطق بابا عمرو والسلطانية وجوبر، والتي كانت جميعها تحت سيطرة المعارضة ودمّرت من قبل قوات النظام السوري، ويعيد هذا المشروع إحياء مشروع "حلم حمص" المثير للجدل، والذي عارضه المجتمع المحلي في العام 2007.

وبعدما دمّرت قوات النظام السوري منطقة وادي الجوز في حماة، تم إعلان المنطقة مفتوحة للاستثمار من قبل هيئة الاستثمار والتطوير العقاري. 

إذًا، العدد الكبير من القوانين والتشريعات المتعلقة بالممتلكات والإسكان التي تم سنها في السنوات الأخيرة تسلط الضوء على أهمية قطاع العقارات والأراضي بالنسبة للنظام السوري، والذي يستعدّ من خلاله لبدء عصر ما بعد الحرب.

وفي النهاية، قد يؤدّي تدمير البلاد إلى تمكين النظام من جني الفوائد الاقتصادية، عبر الهندسة الديموغرافية التي يقوم بها النظام السوري منذ العام 2011، من خلال التدمير والطرد وإعادة التخصيص وسلب الملكية. ومن المرجح أن تندلع الصراعات بين المالكين الذي سُلبوا ما يمكلونه والمستفيدين الجدد، بعد تدمير النظام لممتلكات البعض وتزوير سجلات ملكية البعض الآخر. ومن هنا تُطرح أسئلة حول ملكية النازحين الذين سيعودون الى سوريا وإلى أين سيعودون، وما إذا كانوا سيتلقون تعويضات بعدما استولى المقربون من النظام على أراضيهم. 

وبالتالي، يجب على الجهات المانحة لمرحلة الإعمار أن تمارس قوتها من أجل التأثير على الخيارات السياسية، والتخلص من أكبر قدر ممكن من سياسات الأراضي والممتلكات التي أقرها النظام السوري في السنوات الست الماضية، وضمان إعادة بناء أكثر عدلاً وأكثر توازناً. ويجب أن يكون التمويل مشروطًا، على سبيل المثال، بعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم، أو إذا كان ذلك غير ممكن، بأن يحصلوا على تعويض عادل.

(ترجمة: جاد شاهين)