Advertise here

فتح باب الإنتساب للثورة على الفساد

11 آذار 2019 07:30:00 - آخر تحديث: 11 آذار 2019 12:33:56

قبل نحو عقد من الزمن تم توقيع "وثيقة تفاهم" بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والجنرال ميشال عون في كنيسة في ضاحية بيروت، وكان الجنرال عائداً من منفاه السياسي في فرنسا. وكانت تلك الوثيقة القاعدة التي بنى عليها الجنرال معركته الرئاسية، وحقق نصراً مبيناً أتبعه بخطاب العهد، وكانت قاعدته "الوعد باقتلاع الفساد من جذوره في إدارات الدولة وفي المصالح العامة".

لا يتناسى الرئيس، وطاقمه السياسي والإداري والقانوني، أن العهد دخل السنة الثالثة من ولايته، وما يزال "برنامجه الإصلاحي" بكامل صفحاته وأبوابه "موضع درس ومناقشة".

وربما كان من حظ الرئيس، أو من تدبيره، أن عهده ما يزال بلا معارضة، وهذه علامة على أن "الديموقراطية اللبنانية" ذهبت في إجازة غير محددة بتاريخ، لا بالبداية، ولا بالنهاية.. هذا من دون إغفال بعض الاصوات النيابية التي ترتفع في ساحة النجمة بالمعارضة، فتسجل علامات جيدة في دفتر الرأي العام، لكنها لا تلبث ان تتبخر مع الوقت، لانها تعبر عن رأي فردي، لا عن موقف كتلة وقرار.

لكن المفاجأة جاءت من حيث لم تكن منتظرة. فالصوت الذي إنطلق أخيراً مدوياً، مفتتحاً الحرب على الفساد، والفاسدين والمفسدين، كان صوت سماحة السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، داعياً كل من يعادي الفساد والمفسدين لخوض المعركة، فإذا كان العدو الاسرائيلي بات خارج الحدود، ففي الداخل، بل في كل دائرة، ومؤسسة رسمية، سياسية، أو إدارية، أو أمنية أو تجارية، فساد، وفاسدون، ومفسدون.

هي حرب بلا هوادة، ولا توقف. فالمسألة، أو المهمة، كما وصفها السيد "معركة مهمة جداً، وجهادية أيضاً، ولا تقل قداسة وأهمية عن معركة المقاومة ضد الاحتلال، وضد المشروع الصهيوني في المنطقة".

وإذ تساءل السيد نصرالله: لماذا فتح ملف الفساد الآن؟ جاء جوابه: لأن الوضع في السابق لم يكن خطيراً إلى حد تهديد وجود الدولة. "ولذا لا نقدر ان نقف متفرجين، حتى لا يزعل فلان، ونترك بلدنا يسير نحو الانهيار".

هذا ليس كلاماً إنشائياً لكسب معركة إنتخابية، أو تسجيل موقف سياسي له مردود مادي، أو شعبوي.. إنما هو "موقف شرعي من مال الدولة". أي مال المواطن اللبناني الكادح، والفقير، ومال الغني بالقانون، وبالذمة المنزهة والمحصنة ضد المال الحرام الآتي من تعب الشعب ومن عذاب الاجيال، أو من "الصفقات" على حساب القانون والخزينة العامة. فالمال المهدور من حساب الدولة يجب ان يعود إلى الدولة... وهذا وحده يكفي لسد عجز الدولة وديونها المستحقة بمليارات الدولارات".

هي دعوة إلى "الجهاد" للقضاء على الفساد... ومن يحمل راية معركة الفساد نقبل به قائداً.." هي دعوة إلى "الجهاد للقضاء على الفساد" أطلقها السيد نصرالله في إطلالة تلفزيونية مساء السبت الفائت في إحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس "هيئة دعم المقاومة". وهذا الملف، كما قال السيد، "هو مفتاح الاصلاح في الدولة، وإذا لم يعالج فكل الاجراءات الاخرى لن تنجح، وإذا قبل حزب الله ان تتم التسوية فيه، يكون حزباً منافقاً، وكاذباً... وهذا ينطبق على كل من يفكر في دفع الملف الى تسويات على حساب المال العام.

هذه المبادرة من سيد المقاومة اللبنانية تذكّر بمبادرة من وزنها السياسي، الاصلاحي، والوطني، طرحها شهيد لبنان والعروبة كمال جنبلاط يوم كان على رأس "الجبهة الإشتراكية الوطنية" عام 1952 بعد "ثورة الإصلاح والتغيير" في ذلك الزمن، وقد صدر على أساسها "قانون من أين لك هذا"...

ولقد مضت، حتى اليوم، 67 سنة، ولم يطبق هذا القانون على أحد... وكأن الدولة اللبنانية، منذ ذلك الزمن حتى اليوم، "دولة قانون وإصلاح، وتغيير"..! لكن الدعاوى في جرائم الفساد المتراكمة، والمتضخمة، منذ مطلع الاستقلال حتى اليوم، لا تسقط مع مرور الأزمنة.

ولان المبادرة التي صدرت عن الأمين العام لحزب الله، كانت عامة، وعابرة الحدود، ولم تكن من باب تسجيل المواقف على قاعدة مبدأ "قل كلمتك وإمش"، فقد ألقت حجراً كبيراً في بركة الفساد اللبناني المزمن، ولم تمض ساعات حتى صدرت مبادرة عن وزيري الحزب التقدمي الإشتراكي في الحكومة أكرم شهيّب (وزير التربية والتعليم العالي) ووائل أبو فاعور (وزير الصناعة) وكان القرار مشتركاً ويقضي بمنع سفر الموظفين الحكوميين في الوزارتين في مهمات رسمية في الخارج.

وحسب النص الذي بني عليه القرار فإنه قرار هام وإستثنائي بكل المعايير،لأنه يعكس نظرة الحزب التقدمي الإشتراكي في تطبيق رؤيته في مكافحة الفساد (...) وقد بات معلوماً أن الدولة اللبنانية تتكبد سنوياً مليارات الدولارات على تكاليف السفر للموظفين الحكوميين، يضاف إليها بدل تمثيل يومي عن كل نهار يمضيه الموظف في الوزارات قد يصل إلى ألف وخمسمئة دولار عن كل يوم مشاركة في ورشة العمل... وبالتالي فإن هذه التكاليف باتت تطرح علامات استفهام جدية، لا سيما بوجود سفارات وبعثات ديبلوماسية لبنانية في عدد كبير من الدول حول العالم..."

مبادرتان في إتجاه واحد: مبادرة الحزب التقدمي الإشتراكي التي تعود إلى زمن "الثورة السلمية المدنية" التي قادها كمال جنبلاط في العام 1952 وغيّرت رئيس الجمهورية، والمبادرة الجديدة التي أطلقها قبل ثلاثة أيام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وبالنتيجة يمكن القول: "فتح باب الانتساب للثورة على الفساد" في هذا العهد، ولو بعد تأخر دام 67 سنة..

وعلى سبيل التساؤل بحسرة: كيف كان لبنان اليوم لو عاش كمال جنبلاط ليحقق مشروعه الاصلاحي؟
لكن كيف يمكن للبنان ان يعيش بأمان وسلام، والشر جار مقيم على حدوده، شاهراً سلاحه في وجهه، والعدو خلف هذا الجار؟!