Advertise here

معجزة وطن

02 كانون الثاني 2021 21:28:00 - آخر تحديث: 02 كانون الثاني 2021 21:32:00

البعض يريد لنا جمهورية بالفعل، والبعض الآخر لا همّ لهم إن عَدَلت. يكفيهم منها الاسم فقط، فلا همّ لهم أن يبقى لهذه الدولة اقتصاد. لا همّ لهم أن يبقى لها هيبة ووقار تحمي بهما الشعب، كل الشعب، وليس فقط شعوب المناصرين، والحلفاء، وحلفاء الحلفاء كما الحال في هذه الردحة التعسة من عمر لبنان.

لا همّ لهم ما هو دور هذه الجمهورية إقليمياً ودولياً، وما إذا تحوّل قادتها "باش كاتب" لحزبٍ هنا أو مرشدٍ هناك. كل همّهم أن تبقى بعبدا، وأن يبقى فيها كرسي رئاسي، هيكل كرسي يجلسون عليه في قصرها. جلّ ما يطمحون إليه المناكفة على صلاحيات داخلية مع رئاسة حكومة أو مع غيرها، سيّما والأقليات باتت خارج حدود الوزارات السيادية والخدماتية معاً، وربما باتت على الهامش وحدها داخل الوطن. أما الآخرون فيحلّقون حيث يجدون مصالحهم على حدود الإقليم خارج حدود الوطن.

وما عاد المرء يدري أهي نهاية مئوية لبنان الأولى، وانطلاق ثانية، أم نهاية مئويته الأولى والأخيرة، وتالياً نهاية لبنان "عن بكرة أبيه". وبتنا لا نعرف ما هي أهداف هذه السياسة المتّبعة. فإذا كان الهدف أن "يجيبوا آخرة البلد" لقد نجحوا وبامتياز. أما إذا كان غير ذلك، فأين عسانا نجد ما يُقنِع هذا الشعب، بل أين نجد ما يُقنِع دول العالم، سيّما وما عاد من أملٍ في قيامة جديدة بمعزلٍ عن أموال صندوق النقد الدولي، وعطف أهلنا الفرنسيين، وغضّ طرف أصدقائنا الأميركيين، وكَف يد أبناء جِلْدَتنا الإسلاميين، وعودة إخواننا العرب الذين قاسوا الأمرّين مع هذه السياسة، وعلى ألسنة هؤلاء المسترئسين.

لقد "تَبهدل" كثيراً الشعب اللبناني، لكن لهذه الأعوام الأخيرة نكهات خاصة. فالانهيار الاقتصادي بنكهة الوباء، واندثار أموال المودعين، ومقدرات البلاد بنكهة الكابيتال كونترول. والتضحيات بالأرواح وبالممتلكات بنكهة نيترات الأمونيوم. وتدمير المرفأ ومعه جزء (غير) يسير من العاصمة بنكهة الإهمال، وبنكهة المؤامرة لتركيع اللبنانيين سيّما وهو القطاع الأهم الذي كان بإمكانه انتشال البلاد من كبوتها وتعويض شيء مما ينهار فيما لو انوجدت إدارة غير هذه الإدارة البالية، وقيادة غير هذه القيادة الغافلة، وسياسة غير هذه السياسة العفنة التي أضحت المناصب معها مجرد حقائب، وحصص ممذْهبة بلا أدنى قيمة. ووزارة الخارجية خير مثال: فلا أحد يرغب في حقيبةٍ تاه مضمونها السيادي، وضاع دورها المحوري، وتقطعت أواصرها مع خراب لبنان.

كل عامٍ وجميعكم بخير أيها اللبنانيّون. عفواً، أيُّ خيرٍ موعود، وأيُّ أملٍ موجود، قبل أن يعود قادتكم إلى لبنانيّتهم، وقبل أن يعود المقصّرون إلى رشدهم، وقبل أن يعود المتواطئون عن غيّهم، وقبل أن يعود الفهيم بالوهم فهيماً بالفعل. وقبل أن تجد التكنولوجيا من يبتكر دربها الريادي، فالـ "Copy Paste" غير قادرة على النهوض بالبلد، ولا تستطيع إثبات نفسها في عصر عولمة خلَّاقة، فإن الذين يخرجون عن المنهجية العلمية، و"الذين يقاومون التعليم واكتساب المعرفة هم أعداء الدِّين..."كما قال الأمير شكيب أرسلان،  "فالعلم ينبّه غافلنا، ويعلّم جاهلنا، وينشّط عاملنا". فحبذا لو يفعلون، بدل أن يدّعوا أنهم عالمون.

كل عامٍ وجميعكم بخير، والأمر يحتاج إلى معجزة بالفعل مع هذا الكم الهائل من الإحباط. لكنه رغم كل شيء يبقى ممكناً بوقفة المثقّفين. يبقى ممكناً بتضحيات الأطباء والممرضين. يبقى ممكناً بعطاءات الخيّرين، اللبنانيين المقيمين والمغتربين. يبقى ممكناً بنخبة فتيّة من الساسة وندرةٍ مخضرمين. يبقى ممكناً بالإيمان، فإن "حاجتنا إلى الإيمان بعقولنا... بأنفسنا... وبذاتنا... حاجتنا إلى الإيمان بالإنسان وعقله الكوني"، كما قال المعلم كمال جنبلاط،   "كحاجة الضرير للنور، والمتألم للدواء المسكِّن الشافي، والكسيح للقوائم والعصا، والمظلوم للعدالة".

إنها صيرورة الحياة، إنها صيرورة الكون بأسره ولا مفر من التطور والتقدم، سيّما و"الإيمان بالحياة هو الإيمان بالتطور، ولولا التطور لما كانت الحياة..."، لا مفر من استنهاض الهمم لإستكمال المسيرة، لا مفر من استوداع العام 2020 الأقسى ليس على لبنان واللبنانيين فحسب، بل وعلى العالم أجمع، وليكن العام الجديد بالقدر الأكبر من التفاؤل والفرح، ومن المحبة والصدق والسلام.
 

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".