نكبر في زمن الغفلة، ونعبر مراحل الحياة في أفقٍ مظلم الكيان، معتم الملامح، فاقد البصيرة، ومكبّل الأيدي.
نمشي قُدُماً كي نرى النور يبصر الأضواء لنرى فسحة أمل، وبعد ذلك العتم الفاحش. لكن، وفجأةً فرض الكون سكونه. فرغت الشوارع من ضجيج المارة، وحلّ الجمود في كل أرجاء الوطن كأن البلد فارغ من البشر، لا حياة فيه حيث الحياة كانت، ولا فرح حيث كانت البهجة التي اختفت كلّها، وأصبح الفراغ سيّد الموقف الموحّد، اقتصادياً، ومعيشياً، والوباء الكاسر الذي يفتك بالبشرية.
ماذا حّل بنا؟ ما كل هذه المصائب التى هبطت فوقنا، وبدّلت ضوء الفرح بقنديل ليلٍ لا يكاد أن يُرى من خفوت نوره. أهكذا هي الحياة؟ أهكذا تعوّدنا واعتدنا أن نعيش، وبالكاد نرى المستقبل القادم من كثرة الضباب وقسوة الفساد.
فهل بتنا شعباً إذا حلّت به كارثةٌ ضحك، وإذا نزلت به صاعقة كفر. هل أصبح بعضنا يعشق الخيانة، ومغرماً بالفساد أكثر من الحكام، وينجرّ وراء كل صاعقٍ وصوت السلاح، والحرب. حقاً ألم تعلّمكم الأيام، ولم تبشرون في الحقبة الماضية من التاريخ أيّ درسٍ لكم.
أصبحتم تائهين في عزلةٍ تامة، وعشِقتم الإجرام. لماذا هذا الحقد، ولماذا تلك الأحكام المسبقة على بعضنا البعض؟ نحن، أبناء الوطن الواحد يجب علينا المحافظة على هذا الوطن وبنيانه مهما اختلفنا. أيُعقل أن يكون الاختلاف سبباً للخلاف؟ هذا ليس مبرّراً، وهذه ليست حجةً نعتنقها. كونوا وطنيين حقيقيين يجمعنا الوطن، والأرزة الواحدة. فكّوا قيودكم وتكاتفوا.
وطننا اليوم بحاجةٍ لكل طاقاتنا لإعادة مجده، ولإعادة هويّته.
كونوا أكيدين أنّه إذا ضاعت الهوية رحل الوطن، لأن لكل شخصٍ فينا وطنه الهوية، وقيده الهوية، وعلمه الهوية. حافظوا على هويتكم، وكونوا على ثقة أنّ استرجاع الهوية مبدأٌ يجب التمسّك به، وإذا ضاعت الهويّة أصبحنا جميعاً مكتومي القيد، وغير معترف بنا، وقد بدأنا ندخل في هذا النفق الصعب.
هويّتي وطني. تكاتفوا لإعادة الهوية الأصلية، حينها نكون أبناء الوطن الحقيقيين.