في اليوم الأول من 2021، ومع انفلاتٍ في انتشار الوباء بفعل القرار الخاطئ بفتح البلاد وكأن الكورونا غير موجودة، وفي ظل استمرار الجليد السياسي على جبهة تأليف الحكومة، دشّن البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، قداس السنة الجديدة في الصرح البطريركي في بكركي بهجومٍ صاعق ضد من أسماهم "المعطلين لتشكيل الحكومة من أجل حسابات ومصالح آنية أو مستقبلية، وتحويل لبنان إلى حجر من أحجار شطرنج الشرق الأوسط، فيما لبنان يسير سريعاً نحو الانهيار والإفلاس". وهو كلام يلاقي ما أدلى به رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، وليد جنبلاط، قبيل يومين على انتهاء السنة الماضية في حديثه مع "الأنباء" حين حمّل القوى المعنية مسؤولية مباشرة.
مصادر مقربة من بكركي أشارت عبر جريدة "الأنباء" الالكترونية إلى أن الراعي، "كان يأمل من رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المكلف سعد الحريري، تغليب مصلحة لبنان العليا على المصالح الشخصية الضيقة بكشف المعرقلين وفرض تشكيل الحكومة على الجميع، لأن مصلحة البلد أهم بكثير من الحسابات الانتخابية والرهانات على التدخلات الخارجية بخصوصيات لبنان".
مصادر سياسية علّقت عبر جريدة "الأنباء" الالكترونية على كلام الراعي بالقول: "شو بيعمل البخور مع دخان التنور؟ صحيح أن سيد بكركي وضع الإصبع على الجرح، وخاطب المسؤولين بكل جرأة ليكفوا عن رهن البلد إلى الخارج، لكن الكلمة الفصل في هذا الأمر ليست على ما يبدو بأيدي من يتولون الحكم، بل تتنقل بين مراكز قرار خارج المقرات الرسمية".
الوزير السابق رشيد درباس لفت في حديث مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية إلى أن البطريرك الراعي "يجابه التعطيل عن الشعب اللبناني كافة، لأنه يدرك أن هذه المعادلة الجغرافية الفريدة التي ساهمت في العام 1920 بإنشاء دولة لبنان الكبير تحولت مع مرور الزمن إلى قطعة شطرنج بدأت مع تقسيم فلسطين، واستضافة لبنان لمئات ألوف اللاجئين الفلسطينيين، ثم دخول لبنان في الصراعات العربية، وسياسة الأحلاف الدولية، والتدخلات السورية في لبنان، ومعاملتهم اللبنانيين معاملة قاسية في فترة الانقلابات التي كانت تشهدها سوريا بسبب لجوء بعض الانقلابيين إلى لبنان. لكن الأمور بقيت مضبوطة بعض الشيء حتى اندلاع الحرب الأهلية والدخول السوري، فتغيرت لعبة التوازنات وأصبحت مختلفة جداً، خاصة بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، وتقسيم العراق وتقديمه هدية لإيران، وصولاً إلى الأحداث في سوريا واليمن وانعكاسها على الوضع في لبنان، لذا أصبح البطريرك الراعي يرى لبنان قطعة شطرنج بعد التدخل التركي والروسي وحزب الله".
وأضاف درباس: "وبما ان البطريرك الراعي هو المؤتمن على الكنيسة المارونية التي كان لها فضلٌ بإنشاء الكيان اللبناني، أصبح يدرك جيداً أن ما يفعله الإيرانيون في لبنان مخالف للطبيعة، ولن يُكتب له النجاح بنهاية الأمر. ولكن من الآن وحتى تاريخ فشل المشروع الإيراني يكون لبنان قد اندثر ولم تعد تفيده التسويات، لذلك يرى الراعي استحالة للحل الطائفي طالما هناك حزب مسيطر على لبنان، فالأمور برأيه تتطلب حلاً عاماً لإخراج لبنان من هذه الدوامة لأن لعبة التوازنات في المنطقة تغيرت كثيراً".
وحول تشكيل الحكومة، قال درباس: "قام الراعي بمبادرة هادئة، واستمع إلى الطرفين عون والحريري، واطّلع من كل منهما على الأسماء المنوي توزيرها في الحكومة، ولقد لفتته اللائحة التي قدمها له الحريري"، كاشفاً أن الحريري طلب منه (اي من درباس) أن يسمي سيدة من طرابلس لتولي وزارة العدل. ولفت في ضوء كل ما حصل إلى أن تشكيل الحكومة مؤجل إلى حين توقف التنافس الدولي على المنطقة.
من جهته، عضو تكتل "لبنان القوي"، النائب ادغار معلوف، أيّد في حديثٍ مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية توصيف البطريرك الراعي التعاطي بالشأن اللبناني وكأنه قطعة شطرنج، قائلاً: "بقدر ما نستطيع أن نفصل لبنان عن مشاكل المنطقة، وإيجاد حلول لمشاكلنا الداخلية يكون ذلك أفضل بكثير لنا ولبلدنا، لأنه لا يجوز أن نبدّي همومنا الداخلية على الوضع الإقليمي والدولي"، داعياً إلى الجلوس سوياً لاجتراح الحلول قبل فوات الأوان.
واعتبر معلوف أن هناك، "علامات استفهام كثيرة لا زالت تؤخر تشكيل الحكومة إلى اليوم، من بينها عدم التفاهم على وحدة المعايير ومحاولة البعض أخذ لبنان رهينة، أو تحويله إلى أحجار شطرنج كما قال الراعي. وأيضا هناك محاولات حثيثة لقلب التوازنات التي بدأنا نتلمسها بطبيعة تشكيل الحكومة، وعلامات استفهام حول عدم رغبة الحريري بتوزير مقرّبين من حزب الله بالحكومة، فمن الواضح أن الأمور صعبة وليست سهلة، وما بين الغاز والبنزين، ورفع الدعم والترسيم، والنازحين والتوطين، وما يحصل في المنطقة جرّاء التطبيع مع إسرائيل، كل هذه المواضيع تصب في خانة تأخير التأليف".
وفي هذه الأثناء يتفجر الملف الصحي، إذ بعد ما كشفته مستشارة رئيس حكومة تصريف الأعمال، بترا خوري، بأن لبنان مقبل على مرحلة صعبة في شهرَي كانون الثاني وشباط بسبب النقص في عدد الأسرّة في العناية الفائقة. وفي ظل بداية العدّ العكسي بعد تجاوز أزمة كورونا كل الخطوط الحمر، كشف رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي عبر جريدة الأنباء الالكترونية عن اجتماع صحي طارئ للجنة الصحة النيابية عُقد عن بُعد مساء أمس نظراً لخطورة الوضع الصحي وخروجه عن السيطرة. وقد أوصت اللجنة بالإقفال العام ابتداءً من الأسبوع المقبل.
وعما إذا كانت لجنة الطوارئ الحكومية والمجلس الأعلى للدفاع سيأخذان بهذه التوصية، أشار إلى أن لجنة الصحة تقوم بواجباتها، وعلى الحكومة وباقي الفرقاء أن يقوموا هم بواجباتهم لأن الوضع في البلد بلغ أقصى درجات الخطورة نتيجة الاستهتار والإهمال.
عراجي طالب بتدابير أمنية مشددة أثناء الإقفال، وتقديم مساعدات مالية للعائلات الفقيرة، سائلاً: "هل من المعقول أن يذهب الدعم إلى التجار والمهرّبين في كل مرة، ومن المسؤول عن ذلك؟"
وحذّر عراجي من 3 أشهر خطيرة جداً على الناس إذا لم تترافق مع إجراءات تلزمهم بتطبيق الإجراءات الوقائية، والا ستقع الكارثة.