Advertise here

بانوراما اقتصادية خلال 2020... هل يكفي تشكيل الحكومة لوقف الانهيار؟

01 كانون الثاني 2021 15:45:00 - آخر تحديث: 02 كانون الثاني 2021 09:46:38

لقد ودع اللبنانيون العام 2020 واستقبلوا العام 2021 على أمل أن يكون عاماً أفضل، فما هي آفاق الاقتصاد بعد عام من الأزمات المتلاحقة ؟

في بداية العام 2020 شُكلت حكومة من لون واحد حصلت على ثقة برلمانية هزيلة بناءً على بيان وزاري فضفاض، ولكنها لم تحصل على ثقة عربية ودولية وشعبية محلية. طلبت هذه الحكومة فرصة مئة يوم لإعداد خطة اقتصادية واستعانت بجيش من المستشارين بالإضافة إلى شركة دولية متخصصة (لازارد) وأعدت خطة التعافي الاقتصادي، محملةً مسؤولية الانهيار الاقتصادي للسياسات النقدية والمالية السابقة على مدى ثلاثين سنة، وعلى رأسها المصرف المركزي والقطاع المصرفي عامةً، دون الأخذ بعين الاعتبار مسارات تعطيل السلطة لفترات زمنية طويلة.

في الأسبوع الأول من شهر آذار 2020 أعلن رئيس الحكومة حسان دياب التوقف عن دفع استحقاق اليوروبوندز والبالغة مليار ومئتان مليون $، ولكن من دون أن يكون هذا التوقف منظماً أو من ضمن خطة إعادة هيكلة للديون مع الأطراف المعنية، وكانت هذه المرة الأولى في تاريخ الجمهورية اللبنانية حيث تتخلف فيها عن دفع استحقاقاتها المالية. ترافق هذا التخلف مع إقفال المطار والمؤسسات كافة بسبب جائحة كورونا ما أدى إلى انهيار شديد لسعر صرف العملة الوطنية.

باشرت الحكومة في شهر أيار بالمفاوضة على برنامج للدعم مع صندوق النقد الدولي وشكلت وفداً متعدد الأطراف، غير أنه لم يكن متفقاً على خطة التعافي لجهة لجم وتوزيع الخسائر ما أدى إلى فشل هذه المفاوضات وتوقفها في تموز على وقع عدم تبني اللجنة المالية البرلمانية لخطة التعافي الحكومية.

في 4 آب وقع الانفجار الكبير في مرفأ بيروت مع خسائر بشرية كارثية وخسائر مادية كبيرة أدت إلى تدمير كامل للمرفأ ولثلث العاصمة، وعلى ضوء ذلك استقالت الحكومة.

انتهى العام 2020 على وقع أزمات في القطاعين التربوي والطبي أضيفت إلى أزمة القطاع المصرفي ما انعكس سلباً على الميزة التفاضلية للاقتصاد اللبناني.

تترجم أزمات العام المنصرم تراجعاً شديداً في ميزان المدفوعات مع عجز يناهز تسعة مليارات دولار بالرغم من تراجع حجم الاستيراد الى نصف ما كان عليه في العام 2019  أي حوالي عشرة مليارات دولار ولكن دون أي زيادة تذكر في حجم الصادرات، ومع تراجع ملحوظ في حجم التحويلات من الخارج بالإضافة إلى تراجع القطاع السياحي.

أما بالنسبة للواردات فقد توزعت على المحروقات والأدوية والمعدات الطبية والسلع الاستهلاكية الأساسية. تراجعت قيمة العملة الوطنية كثيراً بمقدار 80 % مع نسبة تضخم وصلت إلى 138% وارتفاع شديد في اسعار السلع بين 200% و450 % كما انهارت الليرة اللبنانية من 2000 ل.ل. للدولار في بداية العام المنصرم إلى حوالي 8500 ل.ل. للدولار.

أما الخسائر بسبب جائحة كورونا فكانت كبيرة إذ يقدر كل يوم إقفال بحوالي مئة مليون $، ناهيك عن الخسائر الناجمة عن انفجار المرفأ والمقدرة بحسب البنك الدولي ب 8,2 مليار $ من الخسائر المباشرة وغير المباشرة. قدر صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد اللبناني ب حوالي 20 % وسجل الناتج المحلي الاجمالي الأضعف في المنطقة أي أقل من نصف ما كان عليه في العام 2019 وهذا يعني بأن جزءاً كبيراً من القطاعات الانتاجية أما أقفل وإما يعمل بطاقة إنتاجية متدنية. أدى ذلك إلى تضاعف حجم البطالة حتى وصل إلى أكثر من 42 % و تفاقم حجم الفقر إلى 55 % والمدقع منه إلى 28 % و ذلك قبل رفع الدعم المتوقع عن السلع الأساسية (المحروقات، الطحين، الأدوية) بحيث يتوقع أن تصل نسبة الفقر إلى أكثر من 70 % بعد رفع الدعم. المطلوب رفع الدعم سريعاً بشكله الحالي لحماية ما تبقى من احتياط بالعملات الأجنبية واستبداله بدعم مختلف موجّه بطريقة تفيد العائلات الأكثر حاجة إضافة إلى رسم سياسة حماية اجتماعية مستدامة.

وكلما طال عمر الأزمة كلما أصبحت كلفة الخروج منها أعلى، لذلك لا بد من الإسراع إلى وقف الانهيار، والعمل بشكلٍ جدّي للخروج من الأزمة وذلك ليس مستحيلاً في حال توفرت الإرادة الحقيقية مع تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والإقليمية والدولية.

يبدأ الحل بالإسراع بتشكيل حكومة رشيقة بعيدة عن المحاصصة، يتمتع وزرائها بسيرة ذاتية مهنية وأخلاقية جيدة، وتستطيع أن تحصل على ثقة محلية وعربية ودولية. حكومة مع صلاحيات استثنائية تحاكي المبادرة الفرنسية، وتباشر بالإصلاح في قطاع الكهرباء، وتبدأ مباشرةً التفاوض على برنامج دعم مع صندوق النقد بغية معالجة الشح في الدولار، وتعمل على وضع قوانين مرتبطة بإدارة السيولة وقانون إدارة المشتريات العامة وقانون المنافسة. كما ويجب تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الصادر بتاريخ 7 ايلول 2017، ما يؤدي إلى فتح فرص استثمارية ويطور قطاعات الكهرباء والاتصالات والمواصلات والنقل المشترك.

المطلوب حكومة تستطيع البدء بالتدقيق المالي من المصرف المركزي إلى كافة المؤسسات والمجالس بعيداً عن الاتهامات المسبقة والمعلبة وهذا يحتاج إلى إقرار قانون استقلالية القضاء لكي يعيد الثقة بالمؤسسات بشكلٍ عام وفي القضاء بشكل خاص. يجب على الحكومة أن تعمل أيضاً على احتساب الخسائر وتوزيعها بشكل يتناسب مع الإمكانيات، ولا يرهق ذوي الدخل المحدود ولا يكون على حساب المودعين والقطاع المصرفي حصراً، وهذا يحتاج إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي لأنه القطاع القاطرة للنمو وإعادة هيكلته تعيد الثقة بالاقتصاد وبالعملة جزئياً.

لا بد من الإشارة إلى أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي لا تعني حصراً تخفيض عدد المصارف، بل أيضاً زيادة رسملتها وإعادة النظر بمجالس إدارتها، وربما هنا يجب العمل على تعديل قانون التجارة للفصل بين رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمزيد من الشفافية و المحاسبة. يجب على الحكومة أن تكون قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي للمساهمة في إعادة إعمار بيروت وتطبيق مفاعيل مؤتمر سيدر المقرة في نيسان 2018. على الحكومة أيضاً أن تكون قادرة على إيقاف التهريب، والتهرب الجمركي والضريبي، ومفاعيل الاقتصاد الموازي والذي أصبح أكبر من الاقتصاد الرسمي.

المطلوب حكومة تعمل على تحصين وحماية الميزة التفاضلية للاقتصاد اللبناني المتمثلة بالموارد البشرية، وذلك من خلال حماية وتطوير المؤسسات التعليمية والاستشفائية والإبداعية والعمل على حماية البيئة لأنها أيضاً ميزة تفاضلية.
باختصار، إنّ المطلوب هو تشكيل حكومة تعمل على تنفيذ الإصلاح وعلى وضع وتطبيق خطة تعافي وإعادة إعمار بالتعاون مع المجتمع المحلي والمجتمع الدولي، أو ما يعرف ب 3RF Reform, Recovery and Reconstructions Framework . حكومة تكون صاحبة القرار النهائي برسم السياسات وتحقيقها، تنأى بنفسها عن صراعات المنطقة وتكون هي السلطة وليست فرعاً للدويلة.

(*) بقلم بروفيسور أنيس بو ذياب - عضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي الاجتماعي.