Advertise here

فرصة لاتفاق باريس للمناخ لتجنيب البشرية مخاطر جديدة

31 كانون الأول 2020 11:24:28

في الذكرى الخامسة لولادة اتفاق باريس للمناخ الذي تمَّ التوقيع عليه في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2015، تحضر المخاطر الطبيعية بقوة على الساحة الدولية، وسط إنهاك يعيشه العالم جرّاء جائحة كورونا. وقد أكد المؤتمر الافتراضي الذي رعته الأمم المتحدة وترأسته بريطانيا لمناسبة المراجعة الأولى، المخاطر الجمَّة المُتأتية عن الممارسات العشوائية التي تغلُب على التعاطي مع القطاعات المُسبِبة للإنبعاثات الحرارية، لا سيما منها القطاع الصناعي ومُحركات السيارات ومحطات توليد الطاقة.
 
أهمية مؤتمر المراجعة الأولى الذي حصل في 18 كانون الأول (ديسمبر)، وفق ما هو مقرر في اتفاق باريس، والذي يفترض أن يجري كل 5 سنوات، كان من خلال الإعلان الواضح للصين الالتزام بخفض إنبعثات الغاز السام من معاملها الى حدود 18 في المئة، وهي أكبر دولة منتجة لهذه الانبعاثات في العالم. والخبر السار الثاني الذي أنعش جهود المشاركين في المؤتمر، كان إعلان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن عزمه مناصرة الجهود القائمة للخفاظ على الاستقرار المناخي، بهدف الحدّ من الكوارث الطبيعية المتأتية عن الاضطرابات الطبيعية، وأعلن العزم على إعادة الولايات المتحدة الأميركية الى العضوية في اتفاق باريس، بعد أن كان الرئيس دونالد ترامب انسحب منها عام 2017، بحجة أنها تُقيِّد حركة رجال الأعمال وتؤثر سلباً في القطاع الصناعي الأميركي.
 
اتفاق باريس للمناخ للعام 2015، والذي صادقت عليه 197 دولة، كان خلاصة تجارب مريرة عاشتها الدبلوماسية العالمية التي تبحث عن ضوابط لمسببات الكوارث البيئية، منذ أن تمَّ إعلان اتفاق الإطار في قمة الأرض التي عقدت في البرازيل عام 1992. وقد أعاد مؤتمر كيوتو في اليابان عام 1997 جدولة الأولويات لاتفاق البرازيل، وركز على ضبط انفلات القطاع الصناعي على وجه الخصوص، كونه المصدر الأول للثلوث، ووضع حوافر مُغرية للدول والشركات التي تلتزم المعايير البيئية، بما في ذلك تقديم مساعدات مالية، وإعفاؤها من بعض الرسوم الجمركية ومن حزمة من الضرائب. لكن كل تلك الجهود لم تصل الى المُبتغى المطلوب، والدول الصناعية السبع الكبرى التي التزمت تخفيض الانبعاثات الى ما دون 17 في المئة؛ لم تفِ بكامل تعهداتها، وبقي هذا التخفيض دون 5,5 في المئة وفقاً لدراسة أعدتها لجنة مكلفة من مجموعة دول الـ20 الكبرى.
 
أدركت الولايات المتحدة الأميركية التي انسحبت من اتفاق باريس - وكانت قد انسحبت من اتفاق كيوتو عام 2005 أيام الرئيس الأسبق جورج بوش الأبن أيضاً - أن الكوارث الطبيعية تتزايد، وهي تُصيب الأراضي الأميركية أكثر من غيرها، وقد تضاعفت الحرائق كما تنامت قوة الأعاصير التي تُصيب البلاد. والصين هي الأُخرى عادت والتزمت المراجعة الأخيرة بمندرجات اتفاق باريس، وأبدت تجاوباً كبيراً مع طروحات المؤتمرين، وتعهدت بخفض الابعاثات السامة الى ما يقارب 65 في المئة مما هو عليه الحال في الصين حالياً، كما التزمت دفع المساهمة المفروضة عليها في صندوق المناخ الأخضر الذي أُنشئ لتمويل المشروعات المناسبة للبيئة برأسمال 100 مليار دولار أميركي، واستفادت منه دول عدة.
 
الإيجابية الواضحة التي طرأت على الموقفين الأميركي والصيني من اتفاق المناخ، تعطي بعض الأمل للخروج من النفق الرمادي الخانق الذي دخلت فيه الإجراءات التي تُحدّ من تلوث الغلاف الجوي، والذي ثبت أنه يبعث على الاضطراب في الدورة المناخية. والعالم الذي لم يتمكن من الالتزام بتعهداته في اتفاق باريس، خصوصاً في عدم قدرته على خفض درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين كما كان مأمولاً؛ يستبشر خيراً من التوجهات الدولية الجديدة، ذلك أن مخاطر ارتفاع درجة حرارة الأرض، والكوارث الطبيعية التي يسببها الاحتباس الحراري وتلوث الغلاف الجوي أكبر من قدرة أي دولة على تحمُلهِ.
 
والخبراء المتابعون لتطور تأثيرات العوامل الطبيعية على الإنسان، يؤكدون أن ارتفاع درجة حرارة الأرض ستؤدي الى ارتفاع منسوب البحار، وبالتالي الى غرق شواطئ مهمة في مناطق عديدة من العالم، بينها جزء من مدن حيوية في حوض البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي وغيرها. ودرجة الحرارة التي سُجِّلت في الكويت عام 2017، ووصلت الى 53,7 مئوية؛ كانت رقماً قياسياً لم يُسجَّل في العالم من قبل، وهو مؤشِر مُقلق، ولا بد من التوقف عنده.
 
اما الكوارث الطبيعية غير المسبوقة التي تكرر حصولها، كما في إنجراف التربة في الصين وفي موجات التسونامي في اليابان، وفي أعاصير الولايات المتحدة الأميركية وحرائق غابات الأمازون المُعمِّرة في البرازيل، وفي الهطولات المطرية الغزيرة في مدينة جدة وفي بعض دول الخليج العربي وعلى السواحل اللبنانية والسورية، والفيضانات المُخيفة التي حصلت في السودان في غير موسمها نهاية الصيف الماضي؛ كل ذلك يستدعي من العالم وقفة مسؤولة للحد من الخسائر ووقف الإنهيار، من طريق اعتماد إجراءات جدية تكفل الاستدامة للبشرية جمعاء.
 
قديماً قيل: المحنة عادةً تتأتى من الأفلاك والحكَّام؛ والمسؤولية تفرض مراعاة الأفلاك وحسن اختيار الحكَّام.