Advertise here

جردة حساب

29 كانون الأول 2020 06:09:09

"ينعاد عليكم بالصحة، وإنشاء الله السنة الجايي أفضل من سابقاتها"، عبارةٌ يتناقلها اللبنانيون كل عام لتبادل التهاني، لكن لهذه السنة واقعاً خاصاً لا مثيل له. فمع اقتراب انقضاء عامٍ شكّل بأحداثه صدمةً سلبيةً لدى كافة شرائح الشعب اللبناني، ومن مختلف مشاربه المذهبية والطائفية والفكرية، لا بدّ من جردة حساب لكل ما اعتراه من مشاكل واضطرابات على كافة الأصعدة، إذ أن اللبنانيين لم يشهدوا عبر التاريخ الحديث والقديم أزماتٍ طالت وضعهم الصحي إلى جانب وضعهم الاقتصادي والمعيشي، وانحداراً كارثياً لمدخراتهم المالية كما حصل خلال عام 2020.

    من أين البدء؟ هل من الاستقرار السياسي الذي أنعمَ به ما يسمّى بالعهد القوي على الشعب اللبناني، فأكثر من نصف الولاية مضت في فراغات حكومية وتصريف أعمال. أتحفوا المواطنين بشعارات التوازن، والإنصاف، والعدل، والرخاء، مهاجمين العهود السابقة لأن من شغلها كانوا ضعفاء، فيا ليتهم أنجزوا ربع ما أُنجز في السابق.
    
هل نبدأ من الفراغ الفكري، والترهّل الحزبي الذي أصاب الحياة السياسية في لبنان؟ فكل طرفٍ يتقوقع خلف متراسه، وتناسوا أن المواطنين الذين لن ينجرفوا بعد الآن خلف عصبيّات مذهبية، وقد تخلّوا كلياً عن دعم أحزابٍ عجزت عن التغيير، وما زالت متقوقعةً حول مطالبها الضيّقة، وهي تذهب بلبنان نحو التفتيت المذهبي.


هل نبدأ من الأزمة الاقتصادية التي لم تبادر الدولة اللبنانية، بكل مؤسّساتها التشريعية والتنفيذية والرقابية، لوضع حدٍ للفلتان الاقتصادي؟ وكيف ستبادر الدولة إذا كان معظم نواب الأمة هم أصحاب مصارف، أو مصانع، أو من كبار التجار والمقاولين، أو إذا كان معظم الوزراء الذين تناوبوا على الحكم هم سماسرة وأصحاب صفقات على مستوى رفيع؟

    هل نبدأ من هجرة الشباب، وأصحاب الكفاءات العلمية والتقنية، الذين سُدّت بوجههم كل وسائل العيش الكريم، والعمل الكفوء، في وطن فَقدَ كل مقومات الإدارة السليمة والعقل المنتج، وفي وطنٍ كرّس مفهوم التبعية والاستزلام على حساب القدرات البشرية الكفوءة مهنياً وأخلاقياً؟

هل نبدأ من الأزمات المزمنة، وأوّلها الكهرباء التي لم تجد الدولة اللبنانية بكل أركانها حلاً جذرياً لها في عصرٍ أصبح التطور التكنولوجي بأعلى المرتبات وأقواها خدماتياً؟

هل نبدأ من الفلتان الأمني المستشري في البلاد، من سرقاتٍ وقتلٍ وتعديات، مروراً بتجارة المخدّرات، وصولاً إلى التقاتل بين العشائر والقبائل، وكأن شريعة الغاب تحكمنا، حتى أن القوى الأمنية أصبحت مثل اللجان الأمنية التي تتدخل لفكّ الاشتباكات؟

هل نبدأ من تسعيرة الدولار، والتي هي بعدة مستويات، مثلها مثل كافة الفواتير التي تصل للمواطنين، فما من مواطنٍ إلّا ويدفع عدة فواتير للحالة نفسها، وها هو سعر صرف الدولار بعدة حالات، ويبقى المواطن سلعةً تتقاذفها العواصف الآتية من كل حدبٍ وصوب؟

ما حصل خلال عام 2020 كان حالة يأسٍ وبؤس. حالة انهيارٍ وضياع. حالة تذمرٍ وقرفٍ بكل الأمور بدون استثناء، فقدَ فيها المواطن ثقته بكل شيء، حتى أن الأزمة الصحّية أكملت عليه لتضعه مكبلاً داخل منزله، لا يستطيع الاختلاط كي يحافظ على صحّته، وفي نفس الوقت عليه الاختلاط لتأمين مورد عيشه في ظل دولةٍ عاجزةٍ، خائبةٍ غائبةٍ، بكل مكوّناتها الدستورية والسياسية عن القيام بواجباتها.

لا يسعنا إلّا القول حفظَ الله ما تبقى من لبنان من نار جهنّهم السياسي الذي لن يكون له أفقٌ في ظل تعصبٍ أعمى ضيّق الأفق.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية