محمود كرامه فارس من أرومة المناضلين
28 كانون الأول 2020
08:16
Article Content
إنّ دمعة الرجال في السرّ حارةٌ وعزيزة لأنها يمكن أن تخفّف صعوبة وقساوة الرحيل. وهي ليست اعتراضاً بل صدى للخبر الجلل، لأن رحيل الأحبة والمناضلين من ساحة الصراع في الحياة من أجل الحياة، تستحق وردةً حمراء دامعة على ضريح الرفيق الصديق محمود كرامة الذي رحل عنا، وترجّل فارساً مقداماً ولم يمت جسداً، بل يبقى في الذاكرة والوجدان قامةً، وصوتاً، وموقفاً، ويبقى في القلبِ ولن يغيب أبداً.
إن الراحل والمسافر في أسرار الحياة هو غصن أرزةٍ شامخة في تاريخ عين زحلتا وجبلها وصفائها، فهو ينتمي إلى بيتٍ تقدمي عربي عريقٍ كان ملتقىً وساحة نضالٍ في شتى الظروف والميادين. وهو من أرومةٍ وسلفٍ عروبي مناضل، حيث يشهد التاريخ لجدّه محمود خطار كرامة بمواقفه البطولية في ثورة السلطان العربية. وتجسّد هذا النضال التاريخي في بيته، وفي وقوف الراحل دائماً في، ومع، المواقف النضالية للمعلّم كمال جنبلاط. فانخرط في صفوف المجاهدين الثوار في الثورة الحمراء ضد الفساد والإفساد، وعرفته معظم المواقع الجهادية مناضلاً تقدمياً، شجاعاً، مقداماً، صادقاً، محباً. ثم أكمل مسيرته النضالية في منتصف السبعينيات فكان من أوائل الطلائع التحررية التي دافعت عن المشروع الوطني العروبي بهمةٍ، ورجولة، ومروءة، وقد ترك بصماته ومواقفه الرجولية، وسطّر صفحاتٍ مجيدةٍ بيضاء في الأخلاق، والرجولة، والبطولة، حباً منه للحياة ولأجلها. ولأنه تعلّم في مدرسة المعلّم الشهيد، يبقى مثالاً وقدوةً في مدرسة الحياة، وفي مواجهة الحياة، من أجل انتصار الحق، والرسالة، والقضية.
ثم توّج وأكمل مسيرته ناشطاً اجتماعياً، وفاعلاً في إرساء عودة المهجرين، والمصالحة الوطنية في الجبل وفي قريته، مشاركاً في أعمال المجلس البلدي، ومؤسّساً للدار الاجتماعي، وحاضراً دائماً في هموم وقضايا بلدته ومنطقته، مبادراً وحكيماً في المواقف والمواقع الاجتماعية.
وهكذا نفتقدك اليوم يا محمود عنواناً للوفاء والمحبة والصدق في القلب واللسان. وكم أتذكر اللحظات الصعبة التي صارعتَ فيها صعاب الحياة وقساوتها بفقدانك الأخوة الأحباء من أمثالك في ذلك البيت العربي الشامخ، وزادتك تلك الصعاب والمآسي دافعاً لتبقى لهذا البيت السليم، النبيل والنديم، والأكرم وتواجه بتلك الخصال، والشمائل، والقيَم صراع المرض بابتسامة التفاؤل والشجاعة. فواجهتَ ذلك بالصبر والإيمان مسكوناً بمقولة المعلم، "إن الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم".
وأخيراً طوبى لك، والجنة لأمثالك. فالرحمة لك والدمعة في وداعك، ولكنك باقٍ في الذاكرة وتاريخ عين زحلتا، نبع الصفاء، وكتاب نضالها التقدمي العربي. رحمة الله عليك ودمعة الحب لكَ، وداعاً يا رفيقاً وحبيباً وصديقاً. فيكَ عظمة الرجال الرجال، والأحباء الصادقين، وستبقى سيرتُكَ العطرة دائماً في سجل الخالدين والمناضلين. ونفتقدك دوماً في عتمة الفجر والصعاب. وداعاً، ولن تغيب عنا وننساك، رحمة الله عليك، والسلام لروحِك الأبيّة.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.