Advertise here

الأسباب المعروفة لأزمة تشكيل الحكومة اللبنانية

27 كانون الأول 2020 23:18:00 - آخر تحديث: 27 كانون الأول 2020 23:19:34

الرئيس الفرنسي الأسبق رينيه كوتي (1954 - 1959) كان يحب سباق الخيل ويواظب على حضور المباريات ويدخل بالمراهنات فيها على الدوام. وقد توقف عن ممارسة هذه الهواية بعد أن أصبح رئيسا. وهو في سدة الرئاسة، طلب منه النادي تسليم الكؤوس والجوائز للفائزين في مباريات سباق كبيرة، حيث سأله مقدم الحفل: لماذا حرمتنا من حضورك الدائم للمباريات سيدي الرئيس؟ فأجابه كوتي: الرئيس يجب أن يتوقف عن كل الرهانات الخاصة بالربح أو الخسارة، ورجل الدولة يجب أن يتحول إلى خادم للشعب، وأن يعمل بكل إمكانياته من أجل بلاده ولا يجوز أن يقوم بأي شيء آخر. في لبنان، لا نرى هذا النموذج من رجال الدولة في الغالب، وبعض المواقف والتحليلات المدافعة عن رئيس الجمهورية فيما يتعلق بملف تشكيل الحكومة الجديدة، تخفي عاطفة نفعية غير صادقة، وفيها سذاجة صارخة، ومحاولة ذر للرماد في العيون للتعمية على الأسباب الحقيقية التي تعطل التأليف، ولا يوجد أوضح من موقف البابا فرنسيس الذي قال: على القادة اللبنانيين ألا يغلبوا مصالحهم الشخصية على مصلحة الدولة، وكذلك موقف البطريرك بشارة الراعي الذي قال: كأنهم يحكمون شعبا عدوا، للدلالة على الجهة المتهمة بالتعطيل، لأن التوجهات العامة التي أعلنها الراعي في رسالة الميلاد وفي تلاوته لرسالة البابا الى اللبنانيين، وضوحا تاما عن مقاصده، وهو تحدث عن النكث بالوعود، وعن حكومة الاختصاصيين، بينما دوائر قصر بعبدا تخالف هذه التوجهات، وقد تأكد ذلك من خلال مقاطعة الرئيس لقداس الميلاد.

السبب المباشر لتفشيل التشكيلة الحكومية التي أعلن الرئيس المكلف سعد الحريري بأنها كانت ستولد قبل عيد الميلاد، هو الخلاف على اسم وزير الداخلية، بحيث اقترح الحريري تعيين القاضي الأرثوذكسي المحايد زياد ابوحيدر، بينما طرح عون اسم عادل يمين من ذات الطائفة، ولكنه محازب معروف في التيار الوطني الحر، وهو كان مساعدا لمستشار الرئيس سليم جريصاتي عندما كان وزيرا للعدل. وجريصاتي يعتبر من أكثر المتشددين في قصر بعبدا الى جانب صهر الرئيس النائب جبران باسيل المتهم، أنه يمحي في الليل كل ما يتفق عليه في النهار بين الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.

تقول أوساط واسعة الاطلاع: كيف يمكن لفريق الرئيس اتهام الحريري بالوقوف وراء عرقلة تشكيل الحكومة، والحريري اليوم يعتبر الحلقة الأضعف في تركيبة الحكم، وهو اقترح أسماء مقبولة وغير حزبية في التشكيلة، وأكثر من نصف أعضائها من «حلفاء الخط» على ما يحلو للنائب السابق والمرشح الرئاسي سليمان فرنجية القول. وحليفي الضرورة للحريري بهذه المهمة الإنقاذية فقط، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قبلا منه تسمية الوزراء المحسوبين عليهما، تداركا لحصول تعقيد إضافي لا تتحمله البلاد، بينما الوزراء المحسوبون على الرئيس عون والتيار الوطني الحر، كان الحريري قد اقترحهم من لائحة عرضها الرئيس عون. وليس صحيحا ما قاله المقربون من بعبدا، بأن الحريري صور لائحة الأسماء من دون علم الرئيس واتصل بأصحاب العلاقة عارض عليهم التوزير. وتستغرب هذه الأوساط: كيف لرئيس وصل الى قمة هرم السلطة، أن يتصرف بهذه السلبية تجاه المصلحة العليا للدولة، بل ويساوم على هذه المصلحة لأهداف أصبحت مكشوفة ولا تحتاج إلى أي تفسير. وهي ضمان مستقبل صهره النائب جبران باسيل، ومراعاة حليفه حزب الله الذي ربما يكون منتظرا إشارة إيرانية، رغم تأكيد قادة الحزب أنهم مع الإسراع في تشكيل الحكومة. وترى هذه الأوساط أن المراهنة الساذجة على الإدارة الأميركية الجديدة، ليس لها أي مفاعيل سوى مزيد من المآسي على اللبنانيين وتعطيل إضافي لعجلات الدولة، واستمرار للانهيارات التي تتوالى منذ 4 سنوات، بينما البلاد على شفير مجاعة خانقة.