Advertise here

"مصالحة" تركية - إسرائيلية في الأفق.. لماذا الآن؟

24 كانون الأول 2020 18:03:54

"إذا خطت إسرائيل خطوة واحدة، فربما يمكن أن تخطو تركيا خطوتين" تصريحٌ لافت أطلقه مستشار رئاسة تركي في الأيام الماضية، ليفتح باب الحديث معه عن العلاقات التركية- الإسرائيلية، ومدى قدرة الطرفين على إعادتها كما كانت سابقا، على كافة المستويات سواء السياسية أو الأمنية والاقتصادية، وخاصة في الظرف الحالي الذي تتشابك فيه التحالفات الإقليمية والدولية المضادة.

المسؤول وهو مسعود كاسين تحدث عن نقاط بارزة وفي غاية الأهمية، مشيرا إلى إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين تركيا وإسرائيل، بحلول شهر مارس المقبل، مضيفا في تصريحات لموقع "فويس أوف أمريكا" الإخباري: "إذا رأينا ضوءا أخضر، فستفتح تركيا السفارة مرة أخرى وسوف نعيد سفيرنا. يمكننا استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مرة أخرى. لم لا؟ إن إحلال السلام والأمن مهم جدا لإسرائيل وتركيا".

وعلى الرغم من غياب أي موقف رسمي تركي أو إسرائيلي حتى الآن عما يدور الحديث عنه، إلا أن الأمر يبدو أنه بات واقعيا، حسب مراقبين، لكنه يدور من خلف الأبواب، وبأصوات خافتة، من منطلق أن حالة "العداء والخصومة" بين الطرفين لا يمكن أن يتم حلها من جولة أولى أو من خلال تحركات مفاجئة. 

عقد من العلاقات المتدهورة
العلاقات بين إسرائيل وتركيا كانت قد تأزمت عقب الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008، لتتدهور وتصل إلى حد القطيعة أكثر في أعقاب اعتراض البحرية الإسرائيلية "أسطول الحرية" في أيار 2012، حيث قتل الكوماندوز الإسرائيلي عشرة ناشطين أتراك.

وإثر ذلك طردت تركيا السفير الإسرائيلي وجمدت التعاون العسكري بعد أن خلص تقرير للأمم المتحدة في الحادث عام 2011 إلى تبرئة إسرائيل بدرجة كبيرة. وقلصت إسرائيل وتركيا تبادل المعلومات المخابراتية وألغيتا تدريبات عسكرية مشتركة.

وفي عام 2016، عادت تركيا لتعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد ست سنوات من الشقاق، حيث أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في حينه حصول اتفاق مع إسرائيل وأن "العلاقات الاقتصادية معها ستبدأ في التحسن".

بعدها بعامين عاد التوتر من جديد في العلاقات بين البلدين، بسبب الموقف التركي من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لتصبح العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى القائم بالأعمال.

لماذا الآن؟ 
وعلى الرغم من كون الحديث الذي يتردد حاليا عن خطوات إعادة العلاقات بين تركيا وإسرائيل هاما وقد تكون له عدة تداعيات، إلا أن التوقيت الذي يأتي فيه يعتبر أكثر أهمية، وقد يكون الدفاع الأساسي وراء اتجاه الطرفين لهذه الخطوة في الوقت الحالي. 

ما سبق ذكره من خطوات لإعادة تطبيع "العلاقات" يأتي في الوقت المستقطع الذي يستبق وصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى البيت الأبيض برئاسة الرئيس المنتخب، جو بايدن، كما أنه يتزامن مع ما يشهده شرق المتوسط من توتر عنوانه التناحر التركي- اليوناني، والذي كان له عدة تبعات في الأسابيع الماضية، وصلت إلى حد فرض عقوبات أوروبية على أنقرة. 

ومن باب التأكيد على ما ذكره المسؤول التركي، مسعود كاسين كشف موقع "أكسيوس" الأميركي الخميس أنّ الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يحاول التوسط بين تركيا وإسرائيل، مشيرا إلى أن علييف تحدث هاتفيا بهذا الشأن مع إردوغان.

في المقابل تحدث مستشارو الرئيس الأذربيجاني إلى المسؤولين الإسرائيليين وأبلغوهم بأنّ إردوغان لم يرفض بشكل مطلق جهود المصالحة، ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم، إنّ أذربيجان معنية بالمساعدة ومحاولة إقناع كل من تركيا وإسرائيل بإصلاح علاقاتهما.

ولفت الموقع الأميركي إلى أن وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بيراموف تحدث قبل أسبوع مع وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي هاتفيا، وطرح عليه إمكانية التوسط بين إسرائيل وتركيا، وأنّ "هذا وقت مناسب لتحقيق المصالحة بين تركيا وإسرائيل".

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إنهم "يبدون حذرا في كل ما يتعلق بتركيا ويتعاطون بريبة كبيرة مع نوايا إردوغان"، مشددين على أن إسرائيل غير معنية، في كل الأحوال، بالتفريط بعلاقاتها مع كل من اليونان وقبرص من أجل إصلاح العلاقة مع تركيا.

ظروف مواتية

يرى الكاتب والمستشار السياسي المختص بالشأن التركي الدكتور باسل الحاج جاسم أنه يمكن اعتبار ظروف اليوم "مواتية" لحدوث تقارب بين تركيا وإسرائيل. 

ويقول في تصريحات لموقع "الحرة": "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تداولته العديد من المصادر قبل فترة عن تعيين تركيا سفيرا جديدا لها في إسرائيل، فهي خطوة في إطار تطبيع العلاقات بين أنقرة وإسرائيل، وأيضا تجميع النقاط في حساب الإدارة الأميركية الجديدة".

ومع ما سبق يضيف المستشار السياسي: "علينا عدم إغفال حقيقة أن من شأن تحسين تركيا العلاقات مع إسرائيل، مساعدتها على حل قضايا عالقة حاليا مع الغرب".

لكن في المقابل هناك مكاسب كثيرة يمكن أن تحققها إسرائيل عبر تركيا، حسب الحاج جاسم الذي يشير إلى أن المكاسب تتركز في الصناعات العسكرية، لاسيما أن تركيا تعدّ سوقا كبرى للصناعات العسكريّة الإسرائيليّة، وثاني أكبر زبون للسلاح الإسرائيلي الصنع بعد الهند. 

ويوضح المستشار السياسي أن التعاون اليوم بين الطرفين في مجال الصناعات العسكرية "هو مصلحة مشتركة، بالإضافة لملف الطاقة، كون تركيا تعتبر سوق كبير، ويمكن أن تكون أيضا خطوط أنابيبها ممرا إلى سوق الاتحاد الأوروبي".

الطريق طويل من أنقرة 
الكاتب والصحفي المقرب من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، حمزة تيكين يقول إن العلاقات التركية- الإسرائيلية لم تنقطع، لكنها بقيت في "الحد الأدنى والأدنى على كل الأصعدة، سواء السياسية أو الأمنية والعسكرية".

ويضيف تيكين في تصريحات لموقع "الحرة" أنه قد يكون هناك حديث على مستوى منخفض بين الطرفين، وربما لقاءات عادية، لكن ليس وصولا إلى مرحلة التطبيع الكامل.

وحتى الآن فالحديث عن التطبيع الكامل بين تركيا وإسرائيل وإعادة العلاقات كما كانت سابقا هو أمر مستبعد والوصول إليه صعب، حسب تيكين الذي يشير إلى أن "الشروط التركية لمثل هذا الأمر صعبة وتتعلق بأمور كبرى منها شرقي المتوسط وبالتالي اعتراف إسرائيل بالاتفاقية التركية- الليبية، واعترافها أيضا بكل حقوق أنقرة في شرق المتوسط".

ولا تقتصر الشروط التركية على ما سبق بوجهة نظر الكاتب والصحفي بل تتعدى إلى نقاط أخرى تتعلق بالقضية الفلسطينية وقضية القدس وإيصال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني في الداخل وفي قطاع غزة.

ويوضح تيكين أن الخلافات بين الجانبين ماتزال "قوية" وربما يسعى البعض إلى تذليلها، "لكن حتى اليوم لا يوجد أي مؤشر على حلّها. ربما في المستقبل يحصل اتفاق لكن إذا قبلت إسرائيل بالشروط التركية".

وفي حال الوصول إلى تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل لن يكون مشابها للتطبيع الذي حصل بين الإمارات وباقي الدول، ويعتبر تيكين أن التطبيع وإن حدث بين تركيا وإسرائيل سيكون على قاعدة "الندية والقوة".