Advertise here

في الفساد ومحاربته

21 كانون الأول 2020 12:45:00 - آخر تحديث: 21 كانون الأول 2020 16:47:30

صُمّت آذاننا ونحن نستمع إلى صاحب العهد ووليّه، وجوقة المطبلين والمزمّرين لهما، وهم يحاضرون في محاربة الفساد، والإصلاح والتغيير. لكن النتيجة كانت، كما بات ظاهراً للعيان، غرق البلاد مالياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وصحياً، وعدم تحقيق أي إنجازٍ يثبت العنوان الكبير الذي رفعوه. والسبب، انشغالهم في نبش الملفات القديمة في سائر إدارات الدولة للبحث عن مخالفات ارتكبها معارضوهم، عوض العمل الفعلي على محاربة الفساد حتى لو كان يطال زبائنيّتهم.

والباب الأول لمكافحة الفساد يكون في أن يمنح صاحب العهد، ومنظّره الدستوري غبّ الطلب، القضاء استقلاليّته التامة، وعدم التدخل في شؤونه، و(عدم) إرغامه على النظر في ملف فساد مزعوم يعود إلى مناوئيه، والتغاضي عن النظر في ملفٍ يتعلق بالمحسوبين عليه. وهل من فضيحة فساد أكبر من عدم مهر مراسيم التشكيلات القضائية بالتوقيع السامي لصاحب العهد لأن أداته الأكثر نجاعة في تحريك الملفات المركّبة مُنحت مركزاً غير الذي تحتله الآن؟

العالم بأجمعه، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، أقرّ بأن ولي العهد العوني فاسد، وفرضت عليه عقوبات نتيجة اقتناعها بارتكاباته التي لم تكن يوماً خافية على اللبنانيين منذ عطّل صاحب شعار الإصلاح والتغيير آنذاك البلاد سبعة أشهر كُرمى عيون صهره، لتعيينه وزيراً للطاقة. وكرّت السبحة في تولي هذه الحقيبة لمستشاري سعادته، واستمرّت الصفقات تتوالى حتى جاء يومٌ طفح فيه الكيل مع مدير عام إدارة المناقصات، الأستاذ جان العلية، وبقّ البحصة.

الفرنسيون الذين هالهم أن يروا لبنان وقد وقع في المحظور، وأصبح على مشارف إعلانه دولةً فاشلة، بادروا عبر رئيسهم، السيّد إيمانويل ماكرون، وعرضوا مساعدة لبنان على إعادة اعتباره، ووضعه على سكة التعافي، مشترطين تشكيل حكومة لا تُسند فيها حقيبة الطاقة إلى مدّعي الإصلاح والتغيير.

جنّ جنون صاحب العهد ووليّه، ولم تُبصر التشكيلة الحكومية غير السياسية وغير الحزبية، النور كما يفترض لغاية اليوم بسبب المعايير التعطيلية التي يمارسانها في وجه الرئيس المكلّف سعد الحريري، مصرّين على الاحتفاظ بالحقيبة الدسمة بحجة احتفاظ الشيعة بحقيبة المالية، في حين أن الحقيقة المخفية هي الخوف من أن يُفتضح أمر السلطان ومستشاريه المتعاقبين على الوزارة، وتُكشف الصفقات التي عقدوها والأموال التي نهبوها بحجة الإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد.

وإذا كان جبران باسيل فاسداً، فالأجدر أن يوسَم جميع معارضيه بالتهمة نفسها، وهذا ما دفع صاحب العهد إلى التشديد على أنه سيستمر في رفع شعار التغيير والمحاسبة، فما كان منه إلّا أن أوعز إلى القضاء لفتح ملفات استنسابية، وبروح كيدية انتقامية، ضد من يعتبرهم خطراً عليه وعلى مستقبل ولي عهده.

يستطيع رئيس العهد أن يحرّك القضاء لتحريك ملفات الفساد المزعومة ضد معارضيه، لكنه لا يملك صلاحية تسمح له التدخل لنقل كميات هائلة من نيترات الأمونيوم مكدّسة في مرفأ بيروت، والتي انفجرت وطار معها المرفأ، وجزءٌ كبير من العاصمة بيروت. ويتحدثون عن الصلاحيات !!!

سارعت كتلة اللقاء الديموقراطي، عبر النائبَين هادي أبو الحسن والدكتور بلال عبدالله، إلى تقديم إخبار لدى النيابة العامة التمييزية ضد مجهول (معلوم)، وكل من يظهره التحقيق بجرم هدر المال العام، وجلب منفعة، والخطأ الجسيم في إدارة المال العام، مستندةً بشكل رئيسي على كلام الأستاذ جان العلية في مؤتمره الصحافي، فهل سيجرؤ القضاء على السير بهذا الإخبار، والغوص في التحقيق لمعرفة حقيقة الهدر المستمر في ملف وزارة الطاقة، والذي كبّد لبنان على الأقل 40% من مديونيّته منذ تولي مدّعي الإصلاح والتغيير هذه الحقيبة؟

أغلب الظن لا. فالج لا تعالج.