Advertise here

مؤشرات خطيرة

18 كانون الأول 2020 07:19:25

يصرّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على التمسك بتقاليد انتهى عهدها فعلاً، في حين ان منهج الرئيس سعد الحريري المكلَّف تقديم تشكيلة من 18 وزيرًا يبدو متناسقًا مع التوجهات الدولية نحو حاجات لبنان، والجميع يعلمون ان اهمالنا للتوجهات والتوجيهات الدولية ستكون له نتائج كارثية، ولا بد من ان تستدعي مواقف شعبية مناهضة للحكم ومنطلقة للتغيير. ويعتمد الحكم منهجية تستوجب تأخير اي خطوات اصلاحية، وهذا الامر لم يعد ممكنًا اذا كان للبنان ان يستعيد نسبة مقبولة من النمو.

الاحصاءات المتوافرة (نحن نتحدث عن أحد عشر شهرًا، اي اكثر من 90% من نتائج السنة الجارية)، تفيد بتقلص الدخل القومي بنسبة 24%، وهي اعلى نسبة في العالم، علمًا ان تراجعًا بنسبة 8-9% في بريطانيا يُعدُّ كارثيًا، ونسبة الدين العام الى الدخل القومي أصبحت اكثر من 210%. ولا يسبقنا في هذه النسبة سوى اليابان التي يوازي دينها العام 220% من الدخل القومي، ومع ذلك فان النمو المتوقع عام 2020 في اليابان هو سلبي بنسبة بسيطة ما بين 2 و3% لان اليابان دولة منتجة وحديثة التطور الصناعي والالكتروني، ومعظم دينها هو لمواطنيها الذين لا تتزايد أعدادهم، وإنْ طالت اعمارهم، ولا مجال لنا لنعتبر ان وضعنا اهون من وضع اليابان. فأبواب الانتاج لدينا شبه مغلقة، وثقة الشعب اللبناني بالحكم ضئيلة، والهدف الاساسي للشباب اللبناني هو الهجرة، كيف لا ورئيس الكونسرفاتوار يرحل عن الحياة بعدما عانى من الفقر لانه لم يتقاضَ معاشه طوال سنتين.

 الحكم شاء ان يسمي نفسه "الحكم القوي"، وان رئيس البلاد هو بحكم الأب الصالح لجميع اللبنانيين، شبابًا وشيبًا، وقد اظهرت خطواته انه لم يحقق القوة في صورة عهده لان السنوات الاربع المنقضية لم تشهد اي انجاز على اي صعيد، بل هي في الواقع اخفقت في انجاز اكثر من سد للمياه بلغت تكاليفها عشرات الملايين من الدولارات، من دون ان نشهد تجميعاً للمياه في سدّين. والحكم اخفق في معالجة مشكلة النفايات، علمًا ان المسؤولية عن هذا الأمر القيت على ابنة الرئيس، ميراي، المعروفة بنشاطها وحسن الالتزام.

الضعف الاكبر تجلّى في وزارة الطاقة التي لم تزد الانتاج بل لجأت الى استئجار البواخر التركية للإسهام في زيادته، الامر الذي فاقم عجز "مؤسسة كهرباء لبنان" الى حد استوجب تأمين سلفات دعم على مستوى 34.9 مليار دولار مدى عشر سنين، 2010-2020، ومع فوائدها اصبحت هذه العجوزات غير الملحوظة في الموازنات تشكل 65% من الدين العام، ومعالجة الكهرباء كمشكلة مزمنة توافرت من الكويت، ومن فرنسا والمانيا، لكن خبراء وزير الطاقة سابقا جبران باسيل وعددهم 40 خبيرًا لم يتمكنوا من البدء بحلحلة مشكلة الكهرباء، ولا تزال ممارسات المسؤولين في وزارة الطاقة خارج نطاق الاشراف المفترض من دائرة المناقصات، كما ان تأليف هيئة ناظمة تتجاوز صلاحياتها ممارسات الوزراء امر متروك منذ 19 سنة على الاقل، كما تبين مراجعة تقرير البنك الدولي حول الكهرباء عام 1999.

إن القدرات التحليلية والخبرات العلمية مفقودة لدى فريق هذا العهد، ومعلوم ان الرئيس اميل لحود اصر على اصدار مرسوم يقضي بالمراجعة المسبقة لجميع نفقات الوزارات والهيئات العامة، ومجالس مساعدة من فقدوا مساكنهم بسبب الاحداث الامنية، وقد استصدر مشروع مرسوم حول هذا الموضوع عام 2006 بتوقيعه، وتوقيع رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، ووزير المال جهاد ازعور، الذي هو اليوم ممثل صندوق النقد الدولي في المنطقة.

كيف ينظر ازعور الى اهمال مشروع الرقابة على النفقات، وكيف يقوّم منهجية الدولة في الاصلاح وهو يقرأ ما قاله رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان، ان النفقات من خارج الموازنة تتجاوز بنسبة الضعفين العجز المقدَّر في مشاريع الموازنة.

اذا كانت هنالك اجتماعات ما بين ممثلي الدولة اللبنانية، ومسؤولين من البنك الدولي، فلا بد ان يتساءل خبراء صندوق النقد عن اسباب تضخم العجز من دون ان يكون ملحوظًا في ارقام الموازنة، ولا بد من ان يتوجهوا الى الاستاذ كنعان بالسؤال: أنت وضعت كتاب "الابراء المستحيل" الممهور باسم "تكتل الاصلاح والتغيير" عام 2013 واتهمت الرئيس السنيورة بتبديد 11 مليار دولار، ومن ثم اجرى المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني تدقيقًا لمدة أربع سنوات، ولم يجد مخالفات في اعمال فؤاد السنيورة وبرامجه، واليوم فان النفقات غير المدروسة وغير الداخلة في ابواب الموازنة تزيد عن ذلك بكثير، ومنها سلفات الخزينة لمصلحة "كهرباء لبنان". هل يتمسك كنعان بعنوان كتابه عام 2013، أم يجمع تعليقاته الاخيرة في كتيّب يعنونه "الهدر المخيف"؟

العهد غير القوي بخبراته شاء الاتكال على انتقاء حسان دياب، استاذ علوم الكهرباء في الجامعة الاميركية سابقًا، لرئاسة "حكومة الانقاذ"، ولان خبراء العهد الكبار لا يكبّون على التمحيص في بنود الانفاق، اعتبروا ما سُمي "خطة حكومة دياب" كأنها صخرة الخلاص، والخطة كما ذكرنا وبيّنا سابقًا ليست خطة بالمعنى العلمي والواقعي، وهي بالتأكيد لم تحقق انجازات بنسبة 97% كما ادعى رئيس الوزراء.

وحيث ان انجازات حسان دياب كانت متواضعة، على عكس تصريحاته، لا يجوز في حال انكفاء سعد الحريري عن تولي المهمة الصعبة الرجوع الى حكومة تصريف الاعمال والاعتماد عليها لتحقيق شروط النجاح التي تريدها الهيئات الدولية، والتي يريدها اللبنانيون المعنيون بمستقبل بلدهم حقيقة لا عبر الشاشات والتصريحات التي يتحفنا بها خبيران اساسيان للرئيس من وقت الى آخر، وليس في كلامهم وتصريحاتهم ما يشفي غليل اللبنانيين.

لقد استنفد العهد اي مساندة من اللبنانيين العاديين غير المنتسبين لأحزاب يصر الرئيس على تمثيلها في الحكومة المنتظرة، والتي يطمح المجتمع الدولي الى ان تحوز ثقته، وان تنفذ ما يحتاج اليه لبنان.