Advertise here

وثيقة البابا فرنسيس والدور المسيحي المطلوب

17 كانون الأول 2020 20:19:00 - آخر تحديث: 18 كانون الأول 2020 14:07:05

يأتي الاعلانُ عن الرسالةِ البابويةِ العامة لقداسةِ البابا فرنسيس "جميعنا اخوة"، وعالمُنا يعيشُ اصعبَ مراحل تاريخهِ الانساني، وتحدي ثباتِ المواجهةِ البشريةِ ليحفظَ التاريخُ في ما بعد أنَ وباءَ كورونا كان السلاحَ الأمضى والاقسى من الحروبِ والمجاعاتِ فتكاً وتهلُكةً وجحيماً، وإن كنا مؤمنينَ بقوله تعالى "إن مع العسرِ يسرا".

من هنا وَجدَ الحبرُ الاعظم انَ ما من كائنٍ يخلُصَ وحده، فوضع مسارا روحيا انسانيا واجتماعيا، ينطلقُ من محبةِ الله كأعظمِ مقاماتِ العبادة، فسلامُ العقولُ والنفوس الذي هو هبةٌ من اللهِ وثمرةُ الجهادِ الروحي، علَّ السلامَ الحقيقي يتدفقُ وفقَ القاعدةِ الذهبيةِ التي نادى بها السيد المسيح (ع) "السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم"، وصولا الى الحوارِ الجامعِ المبنيُّ على الكرامةِ الإنسانيةِ، في قوله تعالى "وَلَقَـدْ كَرَّمْـنا بـَني آدَمَ".

واذا كانَ البابا فرنسيس يرى انَ أهمَّ أسبابِ أزمةِ العالمِ اليَوْمَ تعُودُ إلى تَغيِيبِ الضميرِ الإنسانيِّ وإقصاءِ الأخلاقِ الدِّينيَّةِ، فلأنه يجدُ بما لا يقبلَ الشكَ استِدعاءً للنَّزْعَةِ الفرديَّةِ والفَلْسَفاتِ المادِّيَّةِ، التي تستبدلُ القِيَمَ الدُّنيويَّةَ بالمَبادِئِ العُلْيَا والمُتسامِية. لهذا توّجهَ الى الوعيِ والعقلِ برؤيةٍ واقعيةٍ انَ بإمكانِنا العيشَ بسلامٍ منظّمٍ وسلميٍ في ما بيننا، وسطَ قبولٍ للاختلاف وفرحٍ لكوننا إخوةً وعبادَ الله الواحد، وإن طريقَ السلامِ الممكنِ بينَ الأديانِ انطلاقتُه نظرةُ الله.

كذلك يتطلعُ بابا الفاتيكان من خلالِ الرسالةِ عينِها الى تفعيلِ القيمِ والقواسمِ المشتركةِ وهي كثيرةٌ وهامةٌ بين الاديانِ لهدفِ الحوارِ الرامي الى إقامة ِ الصداقةِ والسلامِ والوئامِ، ومشاركةِ الخبرات الخُلُقيةِ والروحيةِ بروحٍ من الحقيقةِ والمحبّةِ، مرتكزا بذلكَ على قاعدةِ ان الأخوّة الإنسانية في الإسلامِ تقومُ على المساواةِ والاتحادِ والتعاونِ والتسامحِ والودِ والتراحمِ، بقوله تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، وتلك الفضائلَ لم تكن موجودةً اساسا لولا المبادئَ التي وُضعت في نبذِ الكراهيةِ والحقدِ والعنفِ، وأولُها الارهابُ الذي ُصنّف من الجَرائِمِ الدوليَّةِ التي تُهدِّدُ الأَمْنَ والسِّلْمَ العالميَّين. وهو ما شدد عليه قداسةُ البابا فرنسيس وإمامُ الازهر الدكتور أحمد الطيب قبلاً، أنَّ الله في غِنىً عمَّن يُدَافِعُ عنه أو يُرْهّبُ الآخَرِين باسمِه.

انطلاقا من كلِ ذلك، وكما القادةُ الدينيّون مدعوّونَ لأن يكونوا شركاءَ حوارٍ حقيقيّين والعملُ في بناءِ السلامِ، كذلك كلُّ منّا مدعوٌّ هو الآخرلأن يكونَ صانعَ سلامٍ، ويسعى للوَحدةَ وفتحِ دروبِ الحوارِ، لا بناءَ جدرانِ تفرقةٍ نعيشُ خلفها، لكي نكونَ بحقٍ اخوةً عالميين...فطوبى للرحماءِ، وطوبى لأنقياء القلوب، وطوبى لصانعي السلام لانهم أبناء الله يُدعون.

 إستطراداً...ان ُتخصِصَ إحدى دوائرِ الفاتيكان لبنان بباكورةِ المراكزِ الحبريةِ المريميةِ لحوارِ الاديان، بناءً لتوجيهاتِ الحبرِ الاعظم، فلأنني اخالُ البابا فرنسيس ُيكمِل ما بدأه البابا يوحنا بولس الثاني من انَ "لبنانَ اكبر من وطنٍ، انه رسالة". أخاله يتوّجه الى المسيحيينَ خصوصا في بلدِ التعدديةِ والحضاراتِ والاشعاعِ والحرفِ والكتاب. أَلاَ حافظوا على رسالتكم المسيحيةِ في هذا الشرقِ الجريح، ألاَ تمسكوا بوطنٍ وصيغةِ عيشٍ اخترتهما بإرادةٍ حرةٍ، ألاَ تواصلوا مع الآخرِ الشريكِ في عيشِ الكرامةِ  والحريةِ، أم ننتظرَ؟!... ننتظرُ "مظلوميةً" جديدةً قد تأتينا كلَ مئتي عامٍ لنعودَ ونَشبكَ الايديَ والقلوبَ صوناً لوطنِ الارزَ؟! عودوا الى وصايا السينودوس والإرشاد الرسولي والمجمع البطريركي، في رفضَ ان نكونَ فئةً تسجنُ نفسها في الماضي الأليمِ، وانما جماعةٌ لعبتَ دوراً اساسياً في نهضةِ العالمِ العربي، وبقاءَ جوهرَ المشروعَ اللبناني الخلاّق مساحةً للحوار الإسلاميّ-المسيحيّ.

أخالُه يقول: ايها المسيحيونَ أنتم ملحُ هذه الارض، وأنتم جمالُ تنوعِ لبنان، لا تغرّنكم سلطةٌ مسجونةٌ، ولا قواربُ الرحيلِ، تاركينَ وطناً للمهانةِ والتيئيسِ. دعوا ضوءَ الشمسِ يتسللُ في رَمادِ العيونِ، دعوا نواقيسَ الاجراسِ تدقُ حيث المآذنُ تصدح، فيعودَ بحرنا زرقاوياً... وبيروتُ من بين الردمةِ تقوم.

(•) عضو المركز الحبري المريمي لحوار الاديان في لبنان.

(**)  الكلمة القيت بمناسبة اطلاق وثيقة البابا فرنسيس كلنا اخوة في كاتدرائية السريان- المتحف.