في بلادنا هذه الأيام كثيرون ممّن يعملون في السياسة، كما في غيرها من مجالات الحياة العامة، لكنهم ليسوا بسياسيين. فإذا كانت السياسة "مهنة شريفة" كما وصفها كمال جنبلاط، فإن هؤلاء أبعد ما هُم عن شرف هذه المهنة. بل ليسوا إلا متسلّقي مواقع، متسوّلي أدوار. والنتيجة هي ما نعيشه اليوم.
متسوّلو السياسة يبحثون عن مكاسب خاصة، خاصة جداً لدرجة أضيق من باحة منزلهم. همّهم فقط البقاء في دائرة الضوء يستعطون من السلطة. ثم عندما تحولت السلطة جسداً هامداً بفعل فشلهم وعُقم آدائهم وعبثية ذهنيّتهم، راحوا كما الطفل العاق يرمون تهم الفشل على الآخرين، يحاولون تهشيم صورة الآخرين لجعلها في مستوى سوء صورتهم.
هؤلاء لا يعرفون كيف يربحون، ولا كيف يخسرون. يخسرون في الحالتين. اذا ربحوا استكبروا واستأثروا وانتقموا، وإذا خسروا كابروا وغاظوا وانتقموا.
وفي خدمة هذا الحقد والانتقام، ثمّة من يكابد عناء الكتابة والصياغة والغوص في علم البلاغة والصحافة (عن كيد لا عن حبّ بالمعرفة)، وثمّة من يتظلم نفسه، وثمّة من يُنتج أوهامه برامج تزعم التأريخ لكنها تُضمر إلغاء تاريخ الآخرين، وثمّة من يفبرك ملفات بعناوين مكافحة الفساد، وكل ذلك ترجمةً لأحقادهم الشخصية، وبالمحصلة الواقع كالتالي:
أضاليل كثيرة يتم تسويقها. الاقتصاد يتلاشى. القضاء مُستهدَف وبعضُه مُستَغَلّ. الإدارة تتحلّل. الدولة تندثر. لقمة العيش في خطر. وإذا بقي الحال هكذا فالأمن أيضاً مهدّد بالفوضى الاجتماعية.
هناك من يدمّر كل شيء لأنه طمع بإدارة كل شيء وفشل. وهذا النهج التدميري يأخذ البلاد الى الانفجار الكبير. وفي مواجهة هذا الهوس الانتحاري المسؤولية تقتضي أن تكون معركة مفتوحة على كل المستويات.